كحلون يساوي نتنياهو

كحلون

أبيرما غولان

بدأ الامر مثل فيروس موسمي: فهم يجرون انتخابات ويؤلفون حكومة، ويسوء الوضع الاقتصادي الاجتماعي، ثم يظهر في الميدان لاعب جديد (أو قديم جديد) ويعد بتخليص الدولة. ويكون مرة صقرا اعتدل وأصبح يحتضن الفلسطينيين، ويكون اخرى رأسماليا تائبا يكاد قلبه يقفز من صدره الى الشعب لشدة رحمته. ويأتي المسيحيون المخلصون على نحو عام مما اعتيد أن يسمى عندنا المركز: داش وشينوي وكديما وأشباهها. ولا يكاد يمر زمن طويل حتى يتبين أن أبناء المركز هؤلاء هم يمينيون متنكرون بلباس الاعتدال، وهم معارضو سلام وليبراليون متحمسون.

إن الحالة الحالية مسلية بصورة خاصة. فموشيه كحلون الذي أقام قوته في مركز الليكود على أكثر النوايات يمينية في الحزب يشتكي الآن من أن ‘ليكوده’، أي ‘ليكود مناحين بيغن’ لم يعد موجودا اليوم لأن ‘اليمين المتطرف سيطر عليه’. لكن حينما سئل كحلون ما هي خطته السياسية كان كل ما قاله هو أنه يجب أن نتعلم من الولايات المتحدة (على عهد الرئيس ريتشارد نكسون لمن نسي)، التي انشأت علاقات بالصين ‘من أسفل’، بألعاب بينغ بونغ ومنافسات طبخ. وفي هذا الامر لا يختلف كحلون أدنى اختلاف عن الشخص الذي يعاديه كثيرا، أعني بنيامين نتنياهو. ففي سنة 1996 تحدث نتنياهو عن السلام الاقتصادي الذي يفترض أن يحل محل المفاوضات التي لا أساس لها، وما زال الى اليوم يؤيد كل مبادرة وتعاون أعمالي ولا سيما في مجال الهاي تيك بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية.

إن كحلون في الحقيقة لا يختلف عن نتنياهو في أي شيء. حينما وبخ نتنياهو وزراءه وقال لهم ‘كونوا كحلونيين’ كان يقصد كل كلمة. فنتنياهو يبغض الاحتكارات السمينة أكثر من كل شيء، وهو يدرك كيف تشوش على الخصخصة المأمولة، بل إنه تنبأ بأضرار الخصخصة في سنة 1996 حينما قال بصراحة إن الاصلاح الذي سيقوده سيجبي ثمنا اقتصاديا اجتماعيا باهظا وإنه ينوي أن ينشيء صندوقا للتقريب بين الفروق. قد يُصور كحلون بصورة مختلفة بسبب أصله الطائفي والاجتماعي الاقتصادي لكنه يقول هو نفسه: ‘أنا رجل الاقتصاد الحر، لكن توجد أمور يُحتاج فيها الى قليل من الروح’.

قد لا يستعمل نتنياهو هذا المصطلح المتأثر لكن تحديد سقف أعلى لسعر الشقة والحد من أجور الكبار (الذي يؤيده) وقرارات اخرى تزيد في عمق تدخل الحكومة في الاقتصاد، تبرهن بصراحة على أنه يدرك أن غلاء المعيشة يعمل في غير مصلحتنا وأن الحبل بينه وبين الجمهور ممطوط مطا زائدا وقد يُقطع.

اذا كان عندنا في الحكم يمين حساس مملوء رحمة فلماذا نحتاج الى حزب جديد اذا؟ واذا افترضنا ايضا أن في اليمين عدد ممن يؤيدون استبدال كحلون الودود البسام بنتنياهو، فكيف تثق الطبقة الوسطى المضروبة التي اخطأت مرة خطأ غبيا وصوتت ليوجد مستقبل الذي يرأسه النسخة المُحلاة من نتنياهو في صورة يئير لبيد، كيف تثق به في استطلاعات الرأي؟.

ربما كان ذلك لأن هذا الجمهور لم يعد منذ زمن يفرق بين اليسار واليمين، والمقابلة الصحفية مع كحلون في ‘يديعوت احرونوت’ لم تذكر نتنياهو فقط بل ذكرت ايضا رئيسة حزب العمل السابقة شيلي يحيموفيتش والمقابلة الصحفية التي أجرتها مع ملحق صحيفة ‘هآرتس′ وهي مقابلة قالت فيها، مثل كحلون حقا إن المستوطنات ليست هي المشكلة. وكانت ترمي مثله الى اجتذاب حريديين قوميين ‘اجتماعيين’.

فشلت يحيموفيتش وجرت معها معسكرها كله. ولما كان الامر كذلك فينبغي أن نعاود ايضاح أن ليس كل من يتظاهر بمظهر المعتدل هو من اليسار السياسي وليس كل من يظهر الرحمة للفقراء هو من اليسار الاقتصادي. إن شأن كحلون ليس سوى صراع داخلي في الليكود، والمطلوب من الجمهور ألا يُبلبل وأن يتركه لليمين.

هآرتس