حريتنا هي سجن الفلسطينيين

اسحق ليئور

ليس الاسرائيليون ناسا أشرارا، أو ليسوا أكثر من الآخرين شرا، لكنهم يجلسون منذ 46 سنة الى مائدة العيد بعد أن يسمعوا عبارة ‘مع دخول العيد فُرض حصار كامل على المناطق’، وهي عبارة منطقها هو أن ‘حريتنا تساوي قمعهم’. وتساعد اللغة وهي مُعاونة مجدية على جعل الفضيحة المستمرة أمرا طبيعيا وهذا نظام عسكري ‘مؤقت’، يتسع ويستوطن.
لندع صورة تعريف المكانة القانونية للمناطق، أو التي بها تسوغ السيطرة عليها. إن ميكانيزم السيطرة هو الذي ينشيء الانسان المضطهـِد بمساعدة إدخال منطق استعماري الى الوعي بصورة دائمة. ما الذي تعنيه عقوبات الحكومة للسلطة الفلسطينية مثلا؟ هل تتجهون الى الامم المتحدة من اجل حريتكم، إننا لذلك نخنقكم أكثر، لأننا نحن الذين نقرر ما الذي يحل لكم وما الذي لا يحل فيما يتعلق بحريتكم. نحن أقوياء ويحل لنا أن نداهم بيوتكم وأن نستولي على ارضكم ومائكم. وكل ذلك منسوب الى الطبيعي والى ‘التفاوض’. وسيستمر ويستمر. إن محللينا في التلفاز ولدوا فيه وسيكون مستمرا حينما يتقاعدون في الشيخوخة ايضا. فهذا هو الاجراء المُطبَّع. إن كل شيء ‘مؤقت’ وكل شيء مؤبد.
تنجم احيانا فضيحة صغيرة لم تُطبّع بعد. أحرق مستوطنون معدات عسكرية. وكان الجنود عاجزين فلم يطلقوا النار، يقولون للجمهور، وحسن أن كان الامر كذلك. ولا يُعذب ‘الشباك’ أيضا كما يقولون لنا رمزا، مستوطنين ليجعلهم يوقعون على اعتراف وليُدينهم ويسجنهم، وحسن أن الامر كذلك. وحذر المستوطنون ايضا ألا يضربوا جنودا.
هذه هي القواعد: لا يحل توقيف يهودي بلا محاكمة، ولا يحل ضربه ولا يحل تعذيبه. أما الجسم العربي فيحل فعل ذلك به، فهم يُسجنون وبسهولة مدة سنين باجراءات سخيفة وباعترافات استُخرجت بالقوة ويحصرونهم وراء أسوار ويحتشدون وراء الجدران لطلب الرزق والعلاج والعيش وليكونوا متعلقين بنا. هنا يُنقش الاجماع. وهو أوسع وأعمق وأخفى مما يبدو لنا احيانا وقت فضائح كفضيحة يتسهار. إن الشعب كله الذي يحتفل بحريته في هذا المساء يحيا على سور الفصل العنصري الخفي: إن حرية اليهودي منقوشة في الجسم العربي.
لا توجد نقطة أوضح لادخال السم في مسألة ‘جسمهم المشع′ من الجدل المكرر في شأن الافراج عن سجناء. إن الصوت هو صوت مذيعي التلفاز، لكن المنطق هو منطق ‘الشباك’. إن السجون المليئة تُبين لكل سجين فلسطيني ولكل عائلة تفوقنا: فعندنا سجناء منكم وليس عندكم سجناء منا. والسجين في أيدينا يسهل ابتزازه ولكل سجين عائلة ايضا. وعوض كل زيارة للسجن – زيارة الاولاد لآبائهم والأمهات لأبنائهن والنساء لأزواجهن يمكن الابتزاز أكثر وتقوية السيطرة أكثر. فأجسامكم في أيدينا حقا.
واذا اضطررنا الى الافراج عنهم فلن نفرج عنهم إلا تحت جنح الليل، ولن يكون فرحهم سوى برهنة على أنهم لا يرون دمنا البريء. يقول المذيعيون والمحللون التحقير لهم. إن الدم على أيدينا لا يُرى أصلا لأن العين لا ترى نفسها حتى ولا من محللي التلفاز. إن عملهم أن يتحدثوا عن العدل (‘قتلة ثقال’)، وعن سلطة القانون (‘السيادة’، و’الابتزاز′)، وعن المعاناة (بعد اجراءات مقابلات مع عائلات الضحايا)، وقد أوكل اليهم جعل ايام الافراج وصمات عار في تاريخنا: ‘صفقة جبريل’، و’صفقة تننباوم’، و’صفقة شليط’. وكل افراج شر أو أخف الضرر.
لكن سجوننا الى الآن مليئة وجنودنا يحاصرون القرى وغزة محاطة بالاسلاك الشائكة. إن حريتنا هي سجن الآخرين. هكذا حولوا شعبا عاديا الى شعب سجانين. والذي قد يكون أشد بؤسا من ذلك أن اليهودي كان منذ آلاف السنين يدعو ربه على مائدة الفصح قائلا ‘صُب غضبك على الأغيار’. أما الاسرائيلي فارتفع منزلة وأصبح يصب الغضب بنفسه متخذا صورة الله ساجنا السجناء حتى من الافارقة. إن ارض اسرائيل الكاملة قد خلصت.