الخروج من مصر… نسخة القرن الواحد والعشرين

بقلم: يوسي بيلين

تعيد ايام الفصح في كل سنة الى وعينا ذلك الخروج من مصر، وقسوة فرعون وأهمية الوحيد موسى الذي وقف في مواجهة حكم الشر وأخرج العبرانيين من مصر بمساعدة عدة ضربات جاءت من السماء.
ويبدو في الاشهر الاخيرة أن الحديث عن علامات خروج من مصر في نسخة جديدة، أعني ابعادنا عن مصر تحت غطاء تعاون أمني وثيق لم يوجد له مثيل من قبل.
وهذه ظاهرة مقلقة لم يسبق لها مثيل منذ وقع على اتفاق السلام قبل 35 سنة. في مقالة اهارون مغيد من جامعة هارفارد في الصحيفة اللبنانية ‘ديلي ستار’ تطرق الكاتب الى اقتباس عن حاكم في احدى محافظات مصر ورد فيه ـ بحسب شهادته ـ أن ضربة أسماك القرش عند سواحل محافظته هي من صنع يدي اسرائيل.
فاذا كان هذا الجنون قد قيل حقا فلا يمكن قوله إلا في محيط مُهيج بقدر كاف ليُصدق أن كل شيء سيء يأتي من اسرائيل أو من اليهود.
وينبغي أن نضيف الى ذلك الشعبية المجددة لكتاب ‘بروتوكولات حكماء صهيون’، واحدى التهم الغريبة التي سُمعت في احدى قنوات التلفاز موجهة الى اسرائيل مؤخرا حقا تقول إنه يوجد حلف بينها وبين ‘الاخوان المسلمين’.
تتميز العلاقات بين اسرائيل ومصر بمستويين أخذت الصلة بينهما تضعف أمام أعيننا: فالحديث من جهة عن صلة امنية وثيقة ـ فحماس هي العدو المشترك، وأذرع القاعدة في شبه جزيرة سيناء عدو مشترك ثان، ويجري هنا تعاون وثيق لا يكثرون من الكلام عنه خشية الحسد. وتتم أحاديث ولقاءات سرية، ويوجد تنسيق يسبب الكثير من الارتياح للجهات السياسية والامنية في اسرائيل وللامريكيين ايضا. ومن جهة ثانية نسي المصريون أن يعيدوا الى اسرائيل السفير المصري الذي ‘أُخذ’ منا في اثناء عملية ‘عمود السحاب’، ولم يتم أي لقاء في صعيد رسمي بين الطرفين منذ كان انقلاب السيسي، وأصبحت مصر تبتعد عن مكانة الجهة المساعدة على الدفع بمسيرة السلام قدما وتبتعد عن اسرائيل في صعيد الدبلوماسية المعلنة.
حتى إن رجل الاخوان المسلمين، الرئيس السابق محمد مرسي، الذي لا يمكن أن نشتاق اليه، أرسل الى اسرائيل سفيرا جديدا، وكتب الى رئيس الدولة رسالة رسمية نعته فيها بأنه ‘صديقي العزيز′ برغم أنه لم يعرفه قط، وشارك في وقف اطلاق النار في نهاية عملية ‘عمود السحاب’. ولم يبادر المشير عبد الفتاح السيسي الى أي تفضل من هذا القبيل.
وأكثر من ذلك أنه تحدث في مصر اشياء سيئة، فثم القوانين الجديدة، والنظام الذي يذكرنا بأيام عبد الناصر الاستبدادية، في كل شيء، وعقوبات الاعدام التي فرضت على نحو من 600 متظاهر من المعارضة ـ كل ذلك يضاف الى الصورة التي تجعل عددا يزداد من الدول تبتعد عن النظام الحالي وتطلب اليه أن يغير نهجه. وتشعر اسرائيل بأنه ليس من عملها أن تؤيد الانتقاد، لكن لذلك ثمنا من مكانتنا الدولية.
لا أستخف بالنشاط المصري في شبه جزيرة سيناء وباغلاق الانفاق بين سيناء وغزة. ومن المؤكد أنني لا أستخف بالتعاون الامني الوثيق.
لكنني اقترح على أنفسنا ألا نعتقد أن هذا التعاون هو بديل عن دبلوماسية علنية. إن لمصر اهتماما كبيرا بهذا التعاون وثم مكان لأن نطلب منهم ألا تنتهي العلاقات بين الدولتين عند المجال غير المرئي، فالتأثيرات التي ستكون في الجيل المصري الجديد ستتأثر بالتحريض لا بالعلاقة السرية.