واشنطن والرياض من أخل بـ’صفقة السفينة’

يوئيل جوجنسكي وعوديد عيران

الهدف الأساس لزيارة الرئيس أوباما الأخيرة الى السعودية كان ترميم صورة الولايات المتحدة في نظر النخبة السعودية واعادة الثقة بتصميم الولايات المتحدة على الهروع لحماية حلفائها عند الحاجة. والفهم بان الولايات المتحدة ستفعل ذلك كان في اساس العلاقات التي تطورت منذ اكتشاف النفط في شبه الجزيرة العربية ولا سيما منذ لقاء الرئيس روزفيلت والملك بن سعود على ظهر البارجة الامريكية USS Quincy في قناة السويس في شباط 1945. ومنذئذ استندت علاقات الولايات المتحدة والسعودية الى ‘الصفقة’ التي يمكن تسميتها ‘النفط مقابل الأمن’. وعلى مدى عشرات السنين تؤدي السعودية دورها ‘في الصفقة’ فيما ترشح كميات النفط التي تنتهجها وفقا للاعتبارات الاستراتيجية الامريكية أيضا. ومن جهة اخرى، تصدع في السنوات الاخيرة احساس اليقين في الرياض من أن الولايات المتحدة ستلتزم بنصيبها في الصفقة. وينبع الاحساس في الرياض من سلوك الولايات المتحدة في سلسلة من المسائل الاقليمية، وأولا وقبل كل شيء مسألة النووي الايراني والحرب الاهلية في سوريا والتي عززت صورة الولايات المتحدة كقوة عظمى في حالة تراجع.

لقد وصل الرئيس اوباما للمرة الثانية الى الرياض دون أمل في فتح ‘صفحة جديدة مع العالم الاسلامي’، ولكن في ساعة مصيرية لعلاقات الدولتين والنظام الاقليمي والعالمي. وكانت الزيارة الاولى للرئيس الى الدول العربية هي للسعودية في تموز 2009، عشية خطابه الى العالم الاسلامي، شهادة على الاهمية التي يوليها اوباما للمملكة ولمكانتها في العالم الاسلامي. وسعى الرئيس في حينه الى التشاور مع الملك عبدالله في الموضوع الايراني والحصول على تأييده لتحريك المسيرة السلمية الاسرائيلية الفلسطينية. وفوق كل شيء، سعى الرئيس اوباما الى الفكاك من إرث سلفه و ‘فتح صفحة جديدة’ مع العالم الاسلامي. ولهذا السبب فقد حبذ، على حد قوله، المجيء الى ‘المكان الذي ولد فيه الاسلام’.

ومع ان الولايات المتحدة والسعودية لا تتقاسمان القيم، الا انهما تتقاسمان، حتى الان مصالح غير قليلة. فعلى مدى نحو 70 سنة أعربت الادارات الجمهورية والديمقراطية على حد سواء عن الالتزام بالحفاظ على أمن المملكة. وبالفعل، فقد اجتازت العلاقات بين الدولتين حتى الان أزمات حادة في الماضي بدء بحظر النفط في 1973 وحتى الازمة في أعقاب الهجمة الارهابية في 11 ايلول 2001 في الولايات المتحدة. ولا تزال الاخيرة بحاجة الى السعودية في حربها ضد الارهاب وعلاقاتها في اليمن، افغانستان والباكستان والمملكة بحاجة الى القوة العسكرية للولايات المتحدة كي توازن التهديد المحدق من ايران. ولكن في بعض الحالات فان السياسة التي تتخذها المملكة تمس، وأحيانا تتضارب، والسياسة الامريكية: التأييد لنظام الجنرالات في مصر والمتطرفين الاسلاميين في سوريا هما مثالان بارزان على ذلك. ومن الجهة الاخرى فان التقارب المدروس بين الولايات المتحدة وايران، الخصم الاقليمي المركزي للسعودية، هم مثار للانزعاج في نظر السعوديين.

في المدى القصير فان التخوف الاكبر في الرياض هو من تقارب امريكي ايراني. فالنشاط الدبلوماسي الامريكي الرامي الى محاولة تهدئة حلفائها العرب لم يغير الانطباع في الخليج في أن الاتفاق المرحلي مع ايران يستند الى تضليل ايراني والى خداع ذاتي من جانب الامريكيين. وتخشى السعودية بقدر أقل من المعاني الفنية للاتفاق المرحلي، وبقدر اكبر من الامكانية الكامنة في المحادثات الجارية الان على الاتفاق الدائم، لتقارب أمريكي ايراني ومن الاثار التي فيه على مكانة ايران في الخليج وما وراءه.

في نظر السعودية، فان الاتفاق مع ايران ليس سوى تمهيد لابتعاد امريكي عن المنطقة مما سيترك ايران دولة حافة نووية وذات مكانة اقليمية محسنة. فضلا عن ذلك فان التقارب الامريكي الايراني من شأنه أن يؤثر على السياسة الامريكية تجاه سوريا، ومعناه ابقاء الاسد في الحكم (الفرضية، المقبولة على السعوديين، هي أن اوباما لم يتدخل عسكريا في سوريا في ايلول 2013 كي لا يعرض للخطر الاتفاق المقترب من ايران).

الاحساس في الرياض هو أن ايران تراكم قوة والولايات المتحدة أق جذابية. بيد أن الامكانيات التي توجد امام المملكة الشائخة ليست كثيرة وليست فضلى. فليست اي قوة عظمى الصين، روسيا أو الهند قادرة، أو معنية، في هذه المرحلة بلعب الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة في الحفاظ على أمن الخليج. ولكن السعودية لا تطرح فقط شكوكا بالنسبة للجدوى في الابقاء على التحالف مع الولايات المتحدة بل تتخذ خطوات مختلفة يفهم منها بانها تحاول تصميم منظومة علاقات مختلفة مع الولايات المتحدة سيتاح لها في اطارها حرية مناورة أكبر. وبالتالي فان ترتيبات امنية جزئية ومتوازية مع دول اخرى كفيلة هي ايضا بان تدرس بجدية في الرياض. فقد عاد ولي العهد سلمان مؤخرا من جولة وصفت بالتاريخية الى الباكستان، اليابان، الهند والصين بحث فيها في سلسلة منم المواضيع الاقتصادية، السياسية والعسكرية دليل ربما على تفكير من هذا النوع في المملكة.

بعد اللقاء علم أن الرئيس اوباما فصل جهوده في الموضوع الايراني، وهدأ الملك بان الولايات المتحدة ستبقى المملكة في صورة المفاوضات وفي كل حال لن تتخذ ‘صفقة سيئة’ مع ايران. المشكلة هي أن الوعود من هذا النوع لا تحظى بثقة كبيرة في السعودية. وشرح اوباما للملك، هكذا حسب التقرير، بانه دخل المحادثات مع ايران ‘بعيون مفتوحة’ (with eyes wide open ) ولكن من المعقول ان يكون الملك بقي شكاكا بالنسبة للمفاوضات مع ايران وفي كل حال ناشد الرئيس اتخاذ خط أكثر حزما حيال ما يسميه ‘الدور السلبي’ لايران في المنطقة.

في حديثهما الذي استغرق نحو ساعتين، ركز الرجلان اضافة الى الموضوع الايراني في الحرب الاهلية في سوريا ايضا. ولا بد أن يكون الملك ابن التسعين قد أوضح للرئيس بان البحرين هي خط احمر بالنسبة للسعوديين وانه لا ينبغي حث المملكة السنية في الجزيرة الصغيرة على تنفيذ اصلاحات في ضوء المخاطر التي تحدق بها من جهة ايران.

في موضوع الحرب الاهلية في سوريا، التي تدخل سنتها الرابعة، معقول ان الملك ناشد الرئيس لاتخاذ خطوات حقيقية تؤدي الى اسقاط الاسد. وقبل اللقاء سرب الامريكيون بانهم يعتزمون تشديد دعمهم للمعارضة للاسد. غير أنه ليس واضحا لهم بعد باي شكل ولاي مجموعة ثوار. ويفهم من التقارير ما بعد اللقاء بان الطرفين قلصا الفجوات في الموضوع وان كانت الخلافات لا تزال قائمة. وعلى نحو خاص، يطلب السعوديون تسليح الثوار ‘المعتدلين’ بصواريخ كتف (MANPADS)، من شأنها على حد قول الامريكيين ان تقع في أيدي ‘غير الصحيحة’. وهذا مجرد مثال واحد على الادعاء الامريكي بان الامريكيين والسعوديين ‘يتفقون على الاستراتيجية ولكنهم مختلفون على التكتيك’. ويبدو السعوديون مصممين على مواصلة دعم الثوار السوريين حتى خلافا للخط الامريكي. فقبل بضعة ايام من اللقاء بين الرئيس اوباما والملك عبدالله، قال ولي العهد السعودي سلمان، في مؤتمر الجامعة العربية في الكويت، ‘نحن سنفعل هذا (سندعم الثوار السوريين) وحدنا، مهما صعب الأمر علينا’

مسألة لم تطرح في الحديث بين الزعماء كانت وضع حقوق الانسان في المملكة عقبة كأداء اخرى في العلاقات بين الدولتين. منذ بدء الهزة في المجال العربي قطعت الانظمة الملكية كل محاولة، حقيقية أم موهومة للمجتمع المدني لتحدث البنى السياسية القائمة. واختار اوباما منح وسام تقدير لنشيطة من أجل حقوق النساء والاطفال في المملكة بدلا من ان يطرح امام الملك مواضيع مثل غياب الحرية السياسية، الحرية الدينية ووضع حقوق الانسان في المملكة ليس سهلا الدعوة الى اصلاحات سياسية وبالتوازي طلب ثقة الانظمة الملكية بمتانة التحالف مع الولايات المتحدة.

ومع أن السعوديين أوفوا حتى الان بنصيبهم في معادلة العلاقات في كل ما يتعلق بسوق النفط العالمي ولكن المملكة السعودية على علم بالتوقعات التي تقول ان الولايات المتحدة كفيلة بان تصل الى استقلالها من الطاقة، مما من شأنه أن يسحب البساط من تحت التحالف الاستراتيجي بين الدولتين. ومن المتوقع لانتاج النفط في الولايات المتحدة أن يبلغ نحو 10 مليون برميل في اليوم في 2016 اكثر بقليل من الانتاج السعودي في 2013. والنتيجة، بعد 70 سنة، على الورق على الاقل، سيكون للامريكيين حرية مناورة اكبر في كل ما يتعلق بتصميم سياستهم في الشرق الاوسط.

ان لقاء اوباما وعبدالله (الرابع في عدده) والذي لولا الصدع بين بعض من دول الخليج وقطر كان يفترض أن يعقد مؤتمر قمة مشترك للرئيس الامريكي وللامارات الست العربية الاخرى لن يدخل اغلب الظن كتب التاريخ مثلما دخل لقاء بن سعود وروزفيلت. ومن السابق لاوانه أن نعرف هل سيولد اللقاء تغييرا في السياسة من جانب الامريكيين او السعوديين بالنسبة للمسائل على جدول الاعمال، وذلك لان الطرفين لم يطورا توقعات عالية منه. ويبدو أن بالنسبة للامريكيين هذا هو الحد الاقصى الذي هم مستعدون لعمله الان من أجل تحسين العلاقات. وبالنسبة للسعوديين كان هذا هو الحد الادنى الاضطراري. وكما يقول الكليشيه فان اهمية اللقاء هي في مجرد انعقاده.

في الاشهر الاخيرة يكثر المحللون من وصف ‘التحالف’ غير الرسمي الذي نشأ بين اسرائيل والسعودية بما في ذلك في ضوء قلقهما من النهج الامريكي في المسائل التي طرحت اعلاه. توصيتنا هي الا نشجع هذا الانطباع وان كانت عمليا تجري اتصالان كهذه. ومع أن ايران تمثل تحديا لاسرائيل وللسعودية، فليست كل الجوانب في هذا التحدي متماثلة بالنسبة للدولتين. كما أن شبكة العلاقات للدولتين مع الولايات المتحدة ليست متماثلة ومنظومة الاعتبارات مختلفة. وبالتالي فان ربط اسرائيل والسعودية معا، بالشكل الذي ترى فيه ذلك الادارة، الكونغرس والرأي العام الامريكي ليس مجديا لاسرائيل بالضرورة.

نظرة عليا 11/4/2014