‘يتسهار’ ما عادت عشبة ضارة بل مشكلة خطيرة

قصف الصحفيون بالاسئلة قادة كتيبة الاحتياط التي هاجم المستوطنون جنودها في يتسهار ودُمرت خيمة من خيامهم تدميرا كاملا. فقد قذفوهم بقولهم لماذا لم تطلقوا النار على المشاغبين؟ وكيف يمكن أن تكونوا مكّنتم لهذا الاذلال للجيش الاسرائيلي؟ لكن العاملين في الخدمة الاحتياطية ليسوا عنوان هذه الادعاءات. فأولا من الحسن أنهم لم يطلقوا النار. صحيح أنهم لو واجهوا شغبا مشابها في جنين فمن المحتمل أن تُطلق نار حية (هذا مؤكد في المرحلة الاولى من الحادثة، التي أغلق فيها مئات المتظاهرين في يتسهار طريق رجال شرطة حرس الحدود ورشقهم كثيرون بالحجارة). لكن الذي يشكو من قتل مدنيين فلسطينيين في ظروف لا يتعرض فيها جنود لخطر على حياتهم بالضرورة، يجب ألا يحث الجيش على قتل مدنيين اسرائيليين في حادثة مشابهة. فلو أن الجنود أو رجال الشرطة أطلقوا النار أمس على المشاغبين ووقعت اصابات لنشأ هنا دوار سياسي وعام يشل الدولة اياما كثيرة. وثانيا يجب توجيه الادعاءات الى المستويين السياسي والعسكري الرفيعين الى رئيس الوزراء ووزير الدفاع ووزير الامن الداخلي ورئيس الاركان الذين مكّنوا الجناح المتطرف من المستوطنين مدة سنين من الشغب بلا عائق تقريبا.

اذا كان رجال الخدمة الاحتياطية يقولون إنهم لم يُعدوا قط لسيناريو هجوم عنيف من يهود، فليست المشكلة مشكلتهم بل مشكلة القيادة العسكرية العليا. ويجب على من ينشيء موقعا عسكريا بالقرب من يتسهار، وهي بلدة هاجم سكان وطلاب معهد ديني فيها جنودا بعنف قبل عشر سنوات، يجب أن يأخذ في حسابه امكانية أن تواجه قوة في الموقع عنفا من الجانب الاسرائيلي ايضا. ربما كان يجب أن يكون الجنود أكثر تصميما (ما معنى قول إن ‘المستوطنين أمروا الجنود أن يتنحوا جانبا’؟)، لكن الخلل يعبر عن خلل أوسع، ويُعبر عنه في كل لقاء تقريبا بين جنود وناس من اليمين المتطرف، من الخليل الى السامرة.

في وقائع كثيرة كهذه تلاحظ جيدا حيرة الجنود وبلبلتهم. من المؤكد أن جنود الخدمة الاحتياطية وهم مدنيون في أكثر ايام السنة، هم الأقل ملاءمة لمواجهة هذه الظاهرة. ولو لم تُقلص في هذه السنة سرية حرس الحدود من القوات الموضوعة في الضفة الغربية لكان أفضل (نجحت قيادة المركز في أن تبطل في آخر لحظة حكما بابطال سرية حرس حدود اخرى). فرجال الشرطة هم الذين يجب عليهم أن يقودوا مواجهة المشاغبين اليهود.

ومع ذلك فان الاقتراح الذي وردت به الأنباء اليوم وهو انشاء مركز شرطة دائم في يتسهار، يبدو داحضا، فهذه فكرة ستنتهي الى الفشل. فالرد على العنف لن يكون بحيل دعائية ليوم واحد بل بتوجه لا هوادة فيه نحو المعتدين على القانون يُسند باجراءات منسقة من قوات الامن وسلطات القضاء. وقد ظهرت علامات اولى على تحسن طفيف في الاشهر الاخيرة حينما شدد ‘الشباك’ وقيادة المركز علاج المشتبه فيهم بجرائم كراهية على الفلسطينيين (عمليات ‘شارة الثمن’)، وأوقفوا عددا منهم وأبعدوهم عن الميدان.إن موعد الصدام أمس أملاه جهاز الامن لا المستوطنون، فوزير الدفاع موشيه يعلون يُجيز شخصيا أوامر هدم لمبان في المناطق، ومن المؤكد أنها بيوت مسكونة في المستوطنات. ولا يمكن أن نظن أن يعلون غير عالم بآثار هذه القرارات في الضفة، فقد كان في ماضيه قائد منطقة المركز ورئيس هيئة الاركان، ومنذ أن دخل وزارة الدفاع قبل أكثر من سنة بقليل حرص على متابعة أمور كبار قادة الجيش الاسرائيلي في المناطق ومتابعة كل عملية قد تؤثر في الميدان كعمليات قد تورطه مع المستوطنين الذين منحه مندوبوهم في مركز الليكود دعما سياسيا واضحا في السنوات الاخيرة.

أجاز يعلون نفسه هدم البيوت في النقاش الذي تم في صباح أول أمس. وكانت تلك عملية عقاب بصورة واضحة على الحادثة التي حدثت في يوم الاحد حينما ثقب مستوطنون اطارات سيارة قائد لواء السامرة (نابلس) العقيد يوآف يروم حينما زار يتسهار. في المرة السابقة حينما حدث شيء كهذا قبل بضعة اشهر اهتم يروم بنشر رسالة نصية الى قادة المستوطنين في المنطقة قلل فيها على عمد من أهمية الحادثة. وبدت تصريحات يعلون وكبار قادة الجيش الاسرائيلي عن تجاوز خط أحمر، بدت آنذاك كلاما فارغا.

وفي هذه المرة استقر رأي الوزير على عدم ضبط النفس ووافق على هدم البيوت في يتسهار للمرة الثانية في غضون اسبوع. وفيما بين ذلك استطاع مستوطنون من يتسهار (أو طلاب مدرسة دينية يدرسون فيها) أن يثقبوا أمس اطارات جيب عسكري آخر لكتيبة الاحتياط التي أوكل اليها حراستهم في المنطقة. وقد جاءت قوات الشرطة وحرس الحدود التي دخلت الليلة الى يتسهار ميدانا مشحونا بصورة خاصة. والنتيجة وإن لم تكن شديدة كما كان يمكن أن يُقدر أولا، يجب ألا تفاجىء أحدا. فبعد مواجهتهم جاء الهجوم على خيمة الاحتياطيين وهي عملية ‘شارة ثمن’ وجهت هذه المرة على الجيش لا على الجيران في القرى الفلسطينية.

بدأ اليوم كما كان متوقعا هجوم تنديد على هجوم المستوطنين العنيف. وفي مقابل ذلك يتهم متحدثو يتسهار جهاز الامن بـ ‘عقاب جماعي’ للمستوطنة بسبب ثقب الاطارات. وقد أصبح جهاز الامن يعلن في السنة الاخيرة سياسة يد أشد على عنف اليمين المتطرف. وسيأتي رد من النواة الصلبة في اليمين المتطرف على حادثة الليلة الماضية، ومن المؤكد أن يكون ذلك هجمات اخرى على قرى فلسطينية في السامرة. لكن بقي أن نرى هل يفضي الصدام الليلي العنيف في مدى أبعد الى شيء من ضبط النفس بين المتطرفين في يتسهار أو يُنشب مواجهة أكبر بينهم وبين الدولة.