إسرائيل والصين

بقلم: عاموس نداي

أصبحت وسائل الاعلام غارقة في المدة الاخيرة بتصريحات عن العلاقات بالصين. وأكثرها اقوال لا أساس لها قد تضر ضررا كبيرا بمصالح اسرائيلية حيوية. وأنا أدهش بصفتي كنت أشتغل أكثر حياتي المهنية في آسيا والصين، أُدهش للخليط الغريب من رهاب الصين والجهل والمصالح والغوغائية التي تحرك هذا الجدل المهم.
إن الخطأ الرئيس هو أن يُحكم على السلوك الصيني بحسب المعايير المعمول بها عندنا دون أخذ في الحسبان للخصائص التاريخية والحضارية التي تميز الصين.
تُجذب الصين الى مركز المسرح العالمي بسرعة لم يكن لها مثيل في التاريخ. ففي غضون ستين سنة تحولت من دولة فيها 400 مليون معدم الى واحدة من أكثر الدول تأثيرا في العالم. ولم يجعل الصينيون هدفهم بلوغ هذه المنزلة وكانوا يفضلون لو استمرت هذه المسيرة وقتا أطول كثيرا.
كانت القيادة الصينية منذ عهد القياصرة الى اليوم تنظر الى الأمام قبل كل شيء وبرغم أنها قدست دائما سلامة اراضيها فلم تكن عندها ولا توجد مطامح توسع. فالتحدي الرئيس الذي تجابهه القيادة الصينية هو الحفاظ على معدل النمو الاقتصادي الذي هو الدعامة الرئيسة لاستقرار نظام الحكم. وتتوجه اجراءات الصين في مجال السياسة الخارجية هي ايضا لنفس الهدف. فليس عند الصين اهتمام بانشاء منطقة تأثير هنا أو في منطقة اخرى ما عدا تأمين الأسواق وقرب تناول الطاقة والموارد الطبيعية الاخرى.
في حين أخذ يضعف تأييد الولايات المتحدة لاسرائيل وأصبحت تقوى في اوروبا العداوة والكراهية لاسرائيل، يوجد بين القيادة والجمهور الصينيين قاعدة دعم واسعة لاسرائيل تعتمد على كونها عضوا لم تعرف معاداة السامية وتؤمن بالعقل اليهودي. والصين ترى أن اسرائيل قدوة يُحتذى بها. والانتاج للفرد في هذا البلد وعدد الفائزين بجوائز نوبل في العلوم موضوع إجلال عند الصينيين.
تجري على الصين اجراءات اقتصادية واجتماعية يمكن أن تسهم اسرائيل فيها. وليس ما يدعو الى أن تتخلى دولة اسرائيل على اختلاف قدراتها وخصائصها المميزة بالنسبة للصينيين، عن فرص عملية بمقادير جدية. والامكانات غير محدودة تقريبا.
قبل نحو من ثلاث سنوات اشترت شركة صينية 60 بالمئة من أسهم ‘مختاشيم أغان’. وتم التعبير قبيل الشراء عن مخاوف من السيطرة الصينية وتم الحديث عن إقالات جماعية وفقدان سيطرة. ولم توجد إقالات ولم يتدخل الصينيون بالادارة الجارية للشركة المشتركة التي قد تصبح واحدة من أكبر الشركات في مجالها في العالم.
إن أكثر الشركات الاسرائيلية التي تعمل في الصين ليست هي بنفس القدر فأكثرها صغيرة أو متوسطة ويصعب عليها دخول السوق الصينية المعقدة. ولا تفعل الحكومة ما يكفي لمساعدة هذه الشركات، فكانت النتيجة أن مستوى النشاط الاسرائيلي في الاقتصاد الصيني لا يلائم الطاقة الكامنة. قيل الكثير في سلوك الصين تجاهنا في المجال السياسي. ومن المهم أن ندرك أن صورة تصويتها في الامم المتحدة تشبه سلوك اصدقائنا من اوروبا. فسلوكها في الشأن الذري الايراني ينبع من رؤيتها للمصلحة في الساحة الدولية ولا ينبع على الاطلاق من سياسة معادية لاسرائيل.
وتُذكر علاقاتنا بالولايات المتحدة ايضا في هذا السياق. فقد زُعم أن بؤرة صينية كسكة الحديد الى ايلات لم تتقبلها حليفتنا بتفهم، وهذه الاقوال هي نتيجة واضحة للجهل. وأستطيع باعتباري اشتغلت بذلك المجال وكانت لي صلة ايضا بمقرري السياسة في الولايات المتحدة، أن أقول في يقين إن التعاون الاقتصادي مع الصين لا يفترض أن يُعرض علاقاتنا بالولايات المتحدة للخطر، فالولايات المتحدة نفسها تتصل بالصين بمنظومة تعاون مالي واقتصادي وصناعي.
إن ادارة حكيمة لمنظومة العلاقات الاقتصادية بالصين هي ذات أهمية استراتيجية لاقتصادنا المتقلص. فيجب علينا أن نستمر على زيادة عمق العلاقات بالصين وأن نوسعها في مجالات اخرى ايضا كالسياحة والعلوم والثقافة. وهذه نافذة فرص لن تبقى مفتوحة الى الأبد.