أتركنا يا كيري

بقلم: أبيرا غولان

دعوة الى وزير الخارجية كيري أن يرفع يده عن التفاوض ويدع الاسرائيليين وشأنهم كي يتبين قبح الواقع الاسرائيلي في أسرع وقت
كُف يا جون كيري من فضلك عن الجري بيننا وبين الفلسطينيين. حسبُك، أُخرج لعطلة واسترح، وانظر الينا من بعيد ودعنا وحدنا.
كان يجب من البداية أن نبقى كذلك دون امريكا والاتحاد الاوروبي وكل الباحثين عن الخير في العالم. بين البحر الذي ندير اليه ظهورنا والجبال التي نسجد لها، مع كل الجيران حولنا وفيهم الشعب الجار، الذي سجناه بين أسوار وجرحنا ارضه بشوارع التفافية لا يسافر فيها إلا نحن، وخنقنا اراضيه ببيوت قرميدية لا يسكن فيها إلا أبناء شعبنا، وأغلقنا طرقه بحواجز حيث يحرس أولادنا’ كي لا يمر اولادهم فيها.
ربما حين نبقى وحدنا تتوقف هذه المراسم الكاذبة التي تسمى تفاوضا التي تحولت من وسيلة الى غاية في نفسها. ألم يغطِ كل الجري المغطى اعلاميا بصورة أكبر أو أقل، ما يجري خلفه بصعوبة ألا وهو استمرار البناء الواسع في المناطق، الذي هو لا أية محادثة أو دفعة هو الوحيد الذي يُقر الحقائق، واستمرار الاستثمار الضخم في المستوطنات عن طريق جميع القنوات الحكومية الممكنة.
نحن مستعدون للافراج عن سجن كامل مع من فيه بشرط ألا يشوشوا علينا الاستمرار على بناء ارض اسرائيل. ونحن على يقين من أننا نخدع العالم كله ونحتال على مواطني الدولة في الحقيقة. ومن المؤكد يا كيري أنك اعتقدت أنه بازاء الاستثمار الداحض شرقي الخط الاخضر سيقوم ملايين المواطنين عن جانبه الغربي ويصرخون قائلين إنهم ضاقوا ذرعا بتحمل عبء غلاء المعيشة، والسكن الذي ليس في متناول اليد، والتوتر الامني الدائم، وتخلي دائم عن البنى التحتية والصحة والتربية والرفاه، لكن الامر ليس كذلك كما تبين، بالعكس.
فهم في جميع استطلاعات الرأي يُبينون مبلغ طيب العيش هنا وهم ينتخبون نفس رئيس الوزراء مرة بعد اخرى.
هل ترى اذا يا سيدي، إننا لسنا في حاجة الى مساعدة في الحقيقة. وصحيح أنه تحت كل هذا الخير تظهر تصدعات مخيفة: فالفقر يضعف أكثر فأكثر عائلات عاملة، وتزيد الشهوة الخنزيرية للمال السلطة، وكذلك ايضا العنصرية الموجهة على مهاجرين وعلى مواطني الدولة العرب، وأصبح الفساد طريقة في القيادة العليا السياسية، ويهيج في الكنيست تحريض أهوج.
وقد أصبحت دولة اليهود التي أرادت أن تعرض سقفا للاجئين مضطهدين وأن تنشيء كيانا ذا سيادة حرا لكل مواطنيها، أصبحت ‘دولة يهودية’ متمايزة مُقصية، تدبر حياة مواطنيها بحسب تصور عام ديني ارثوذكسي محافظ عنصري مخلوط بقومية فظة.
يصعب أن تلاحظ كل ذلك لأنه حينما يزور زعماؤنا الفصيحين بلدك يعرضون أمة زاهرة حداثية رجلاها في الكتاب المقدس ورأسها في الهاي تيك. ولولا الفلسطينيون غير الموثوق بهم، والاوروبيون المعادون للسامية، والمشروع الذري الايراني وادارتك اللينة لاستطعنا كما يرون أن نعيش هنا في جنة عدن حقيقية.فاتركنا وحدنا اذا لنرى ماذا سيكون. فمن المعقول أن نفرض أننا لن ننهار بل سيُدار ‘الصراع′ ببساطة بيد أقوى وسيصبح الجيش أقل اخلاقا وأقل ذكاءً وتصبح السلطة أكثر فسادا. وسيقوى الاغنياء ويضعف الفقراء عن البقاء، ويبتلع ما بقي من الاسرائيلية السيادية في طوفان القومية الدينية المتطرفة العنيفة.
صحيح يا سيد كيري هذا سيء جدا، لكن اذا كانت هذه هي حقيقتنا فيُفضل أن تُكشف كما هي الآن لا في تأخر خطير حينما يدرك مواطنو الدولة أن الطريق التي قيدوا فيها كانت مشحونة بالكوارث، بل قبل ذلك بلحظة وهم ما زالوا يستطيعون أن يختاروا بديلا سليم العقل.