هل العرب بشر؟

بقلم: كارولينا لندسمان

 

قبل نحو اسبوعين انتخب النائب السابق من كديما، يوحنان بلاسنر، رئيسا للمعهد الاسرائيلي للديمقراطية. المعهد هو مؤسسة مستقلة، لا سياسية ولا حزبية، يقع، حسب ما يرد في موقعه على الانترنت، ‘في التماس الذي بين السياسة والاكاديمية’. تصفح للموقع يبين بانه مثل الديمقراطية الاسرائيلية، فانهم في المعهد ايضا لا يعنون الا بما يجري داخل الخط الاخضر.

في الفترة التي نعيش فيها، وبالتأكيد كيهود، لو لم نكن نجد تمييزا يرتب صورتنا في نظر أنفسنا كديمقراطيين، ما كنا لنجر سيطرة على سكان غرباء على مدى 47 سنة. والتمييز بين ما يحصل في نطاق الخط الاخضر وما يحصل خلفه، هو الذي يسمح لنا بان نسلم بالوضع القائم (الذي يسمى ستاتوس كو الوضع الراهن) وفي نفس الوقت أن ننظر الى أنفسنا في المرآة ونرى دولة ديمقراطية. نحن نعترف باننا مشوشون بالنسبة لمعنى يهودية الدولة، ولكن ما هي الدولة الديمقراطية – نحن نفهم، هذا مؤكد.

فقط الانفصام في الوعي يمكنه أن يسمح للاسرائيلي بان يعتبر نفسه كديمقراطي يعيش في الديمقراطية الوحيدة في الشرق الاوسط، رغم نظام الابرتهايد الذي تديره. وقد سبق لبنيامين نتنياهو أن اعترف بان الكنيست هي يهودية، ومثلها ايضا ديمقراطيتنا هي يهودية. ولكن اذا كان العرب هم بنو بشر، فلا يمكن لاسرائيل أن تتباهى بلقب الديمقراطية (ذات المنطق يكرره نتنياهو في الاقتصاد ايضا: بعد حسم الاصوليين والعرب، لا يوجد فقر). حقيقة ان الاسرائيليين استوعبوا الوضع الراهن في رواية من الطبيعية، واشتروا الكذبة التي باعوها لانفسهم، هي جريمة. هكذا ايضا تصريحات وزير الدفاع موشيه بوغي يعلون في أن الحديث يدور عن ‘مشكلة بلا حل’، في ظل تجاهل ‘المشكلة’ الحية والمتنفسة.

هذا الانفصام يسمح للمعهد الاسرائيلي للديمقراطية، لو كان المعهد ملتزما بالديمقراطية، المكان الوحيد الذي كان سيجده ليكون مقرا له هو تحت الارض، في السر. رئيس المعهد، لو كان مكافحا في سبيل الديمقراطية، لكان عرض نفسه للاقصاء ولنزع الشرعية. فمنذ زمن ونحن شهود لمحاولة تشريع قوانين ضد معارضي النظام الحقيقيين في الدولة، بينها المبادرة لاشتراط حق المواطنة بابداء الولاء للدولة (وبالطبع ما هو بالضبط الولاء سيقررونه هم)، وقانون النكبة وقانون الجمعيات، التي تهدد بتجفيف الميزانيات وباقي القيود.

المعهد الاسرائيلي للديمقراطية، بالمقابل، يزدهر، حتى تحت النظام الحالي. وهو يتمتع بمكانة اعتبارية في السياسة وفي الاكاديمية، وبتبرعات شرعية (محمية حسب قانون الولاء). واضح: بدلا من التصرف مثل ‘محسوم ووتش’ و ‘بتسيلم’ مثلا، الاحتجاج، الازعاج للوضع الاعتيادي، الاعتراض، الى أن تتحقق الديمقراطية ينشغلون بليس اكثر من مجرد التحرير اللغوي لنظام الكنيست، الذي كتبه يريف لفين. في الوضع القائم المعهد ليس فقط ورقة تين هو نوع من المهديء (المصاصة الكاذبة) الذي يستهدف تهدئة الرضع. رجاله هم من يحقق السلام الموهوم، يخلقون وهم الهدوء والوضع الطبيعي، وهم الديمقراطية.

لقد كان الزعيم الوحيد الذي كافح الوضع الراهن هو اسحق رابين، الخصم الايديولوجي لنتنياهو. محادثات اوسلو لرابين لم تكن فقط مبادرة للسلام بيننا وبين الفلسطينيين، بل ثورة نهجية: محاولة حقيقية للتعاطي مع العرب كبني بشر. ومثل افراد آخرين في التاريخ حاولوا توجيه مجتمع بأكمله خارج النظام السيء، دفع لقاء ذلك الثمن بحياته.

من المهم أن نتذكر ائتلاف اتفاقات اوسلو ومؤيده من الخارج. رابين سيذكر كمن سعى الى التعاطي مع النواب العرب في الكنيست، بمعنى اصوات العرب، كأصوات شرعية ومتساوية القيمة مع اصوات اليهودي، وامتنع عن المشاركة في غمزة اليهود من فوق رؤوس النواب العرب. وليس صدفة ان شاس كانت شريكا (نشطا او على سبيل الامتناع في التصويت على اوسلو أ)، في هذه اللحظة التاريخية، وذلك لان الولادة السياسية للحزب يوازي اليقظة الوطنية للفلسطينيين في الانتفاضة الاولى. اوسلو هو لقاء لثلاث ثورات: بالنسبة للفلسطينيين، بالنسبة لعرب اسرائيل وبالنسبة لليهود الذين اصلهم من الدول العربية.

هذه أيضا مأساة اوسلو: الثورة لم تكتمل. فقد اوقفت، والموقف من العرب بقي كما كان بل واحتدم. ومثلما تمكن مارتين لوثر كينغ من أن يفهم بانه يوجد خط يربط بين السود في الولايات المتحدة وبين السود في جنوب افيقيا، لن يكون الاوائل احرارا الى أن يكون الاخيرون احرارا، من المهم رسم خط بين العرب الفلسطينيين، العرب مواطني اسرائيل واليهود من اصل البلدان العربية. وعلى حد قول الشاعر: ‘لم افهم بعد أين ينتهي الشرقيون ويبدأ العرب’. القوة التي منحت لشاس تحمل معها ايضا مسؤولية تاريخية بالنسبة لهويتهم السياسية. يحتمل أن يكون مصير العرب والشرقيين مرتبط اكثر مما كان الشرقيون يريدون أن يعترفوا، وبصفتهم كلهم ضحايا ‘دولة الاشكناز الديمقراطية’.

وعليه، فان التوجه الذي يتقاطع مع كل دول العالم التي ستقاطعنا هو بالفعل النزعة الوطنية. فالنزعة الوطنية الحقيقية ستكون المقاطعة الذاتية مقاطعتنا لانفسنا. والمقصود هو ليس مقاطعة المستوطنين، بل كل واحد لنفسه. فما قيمة انجازاتنا العلمية، للابداع، للبحوث الاكاديمية؟ ما طعم المآكل التي نأكلها وكيف نفرح في اعيادنا اذا كان كل شيء مصابا بوباء الابرتهايد. الى أن نقوم كمجتمع ونطالب بان نصب من جديد معنى لكلمة ديمقراطية، فاننا لن نحظى في أن نكون شعبا حرا في بلادنا.