رئيس حكومة جيد أسقطه الفساد

يوسي فيرتر

كان رئيس الوزراء السابق اهود اولمرت رئيس وزراء جيدا بل من أفضل رؤساء الوزراء في اسرائيل لكن الفساد أسقطه فصار من الصعب أن ينافس أحد اليوم نتنياهو في رئاسة الوزراء
إن طلاب دروس المدنيات الفتيان الذين ينظرون لاجل الدراسة في الصورة الاحتفالية لوزراء الحكومة الـ 31 لدولة اسرائيل التي التقطت في يوم أدائهم القسم في بيت الرئيس في شهر أيار 2006، سيسألون أنفسهم في تعجب: ما الذي كان هناك بحق الشيطان؟ أذاك جدي؟ هل أداروا حقا الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الاوسط قبل ست سنوات أو سبع فقط حينما كنا اولادا صغارا؟ ليس من الممكن، سيقولون لأنفسهم غير مصدقين، أن يكون رئيس الدولة الجالس في وسط الصورة أُدين باغتصاب وأُرسل الى السجن، وأن يكون رئيس الوزراء الجالس بجانبه قد أُدين بتلقي رشوة وبخيانة أمانة قبل ذلك، وأن يكون وزير المالية الذي له صورة الجد القائم فوقهما قد أُدين بسرقة وحكم عليه بالسجن، وأن يكون وزير القضاء الحبيب البسام قد أُدين بجناية جنسية ضئيلة في الحقيقة، وعوقب باعمال خدمة.
لكن الامر كذلك للأسف الشديد. إن إدانة اولمرت بأشد جناية ينسبها سفر القوانين لرجل حياة عامة تُقربه بخطوات واسعة جدا الى السجن، هذا مع فرض ألا ينقلب قرار المحكمة في المحكمة العليا بالاستئناف الذي من المؤكد أنه سيُقدم. وتواجهه الى ذلك عقبتان جديتان أخريان وهما قرار العليا المتوقع في استئناف الدولة على تبرئته من قضايا مغلفات المال التي تلقاها من موريس تلنسكي والرحلات المزدوجة لـ ‘ريشون تورز′. وليس من الواضح الى الآن ماذا سيكون مآل قضية التشويش على الاجراءات الجديدة المنسوبة اليه في ظاهر الامر في الاشرطة المسجلة التي قدمتها الى الشرطة رئيسة مكتبه في الماضي شولا (‘محارِبة الفساد’ كما عرفها الدفاع) زاكين. لكن على ألا تطلب ايقاد شعلة في يوم الاستقلال القريب مع النساء الاخريات.
من المؤكد أنه يوجد شامتون كثيرون اليوم باولمرت. ولا يشعر سوى قليلين ممن كانوا يأملون عودته، بخيبة الأمل وبالأسى. لكن يجب أن نقول في هذا اليوم خاصة شيئا ليس من المعتاد وهو أن اولمرت كان رئيس وزراء جيدا، بل كان من أفضل من تولوا رئاسة الوزراء هنا: فقد أحسن توجيه الحكومة والائتلاف الحكومي وادارتهما، وقام بذلك في ظروف عسيرة جدا مع اظهار علاقات انسانية لا مثيل لها؛ وكانت له علاقات ممتازة بكثير من زعماء العالم كانوا يودونه كثيرا ونشأت بينهم صداقة شخصية نادرة؛ وقد أثار الاعجاب ببرود أعصابه عند اتخاذ القرارات في شؤون أمنية مصيرية. وعرف كيف يخاطر مخاطرة منضبطة وواجبة حينما أرسل طائرات وجنودا الى ما وراء خطوط العدو، كما أظهر شجاعة ورؤيا باستعداده أن يمضي نحو الفلسطينيين كما لم يفعل أحد من أسلافه؛ حتى إن حرب لبنان الثانية التي جعلته مكروها عند الشعب وحظيت بتقرير قاتل، تبدو معقولة اذا نظرنا لها بمنظار ثماني سنوات، مع الهدوء الذي يسود الحدود الشمالية منذ ذلك الحين ومع الردع الذي تم احرازه.
كان اولمرت منذ ثلاثة عقود مع مناصب عامة كثيرة تولاها، يسير على الحبل الدقيق بين الحلال والحرام، والجنائي و’العام’، والمحتمل وغير المناسب والصالح والفاسد. ونجح مرة بعد اخرى منذ منتصف ثمانينات القرن الماضي في الخلاص من القانون وكان ذلك احيانا بعد تضييق الخناق عليه جدا. وقد ولد هذا التسلسل نظرتين اليه: قالت الاولى إن هذا الرجل فاسد من الأساس لكنه فنان في التخلص من مخالب القانون. ونسبت الثانية الى جهاز تطبيق القانون وسوسة غير متحكم فيها وغير مغتفرة في شأنه. وزعمت الاولى أنه هو هو الرمز الواضح الى فساد الحكم. وصرخت الثانية مع الدموع: حسبكم، دعوا اولمرت وشأنه!.
وانتصرت اليوم النظرة الاولى، فبعد عدة ضربات شديدة تلقتها النيابة العامة بسبب تقديرها الامور فيما يتعلق بعاملين كبار في الحياة العامة كان آخرهم وزير الخارجية افيغدور ليبرمان الذي بُريء في المحكمة جاءت الادانة اليوم فقومت الظهور المعوجة للمدعين العامين من شارع صلاح الدين في شرقي القدس.
إن ابعاد اولمرت على نحو نهائي ورسمي لا عودة عنه هذه المرة عن كل صلة بالسياسة، لا يؤثر ألبتة في الجهاز السياسي. وقد كثر التساؤل حوله قبيل الانتخابات الاخيرة قبل سنة وربع تقريبا: هل يعود أم لا يعود؟ هل يتحدى نتنياهو أم لا يتحداه؟ واحتار اولمرت وتردد وتعذب، واستقر رأيه في الدقيقة التسعين على ألا يقرر وبقي خارج الملعب وحسنا فعل، فخمنوا أنه كان نافس وأصبح رئيس وزراء ثم أُدين بعد سنة بقضية هولي لاند.
في تلك الايام ايضا حينما كانت دولة كاملة وشخصيات سياسية ووطنية جدية جدا من تسيبي لفني وشاؤول موفاز الى يئير لبيد وروني بار أون وداليا ايتسيك ومئير دغان ويوفال ديسكن ينتظرون وقد حبسوا أنفاسهم القرار الحاسم للمسؤول السابق الذي اشتاق الى العودة، ولم يكن مرشحا ذا شعبية عند أكثر الشعب بل كان بعيدا عن ذلك. إن مؤيديه ولن نقول مُجليه، كانوا يُعدون في طبقة دقيقة عليّة من بين نخب معسكر المركز اليسار في الأساس: من وسائل الاعلام ومن الأمن وأرباب المال والاقتصاد والاكاديميا.
وكان هناك مرشح محتمل آخر جمع حوله وقتا قصيرا آمالا وتوقعات مشابهة وهو رئيس الاركان السابق غابي اشكنازي. وأصبحا اليوم مُحيدين ممنوعين من الانضمام الى الساحة السياسية، لكن الفرق بينهما كبير: فاشكنازي بريء بالطبع بيد أنه متورط في تلك القضية. وأما اولمرت فسيشغل كما قلنا المحاكم سنوات بعد. ومع عدم وجود هذين الاثنين يصعب في هذه المرحلة أن نرى من هو المرشح الذي سينجح في منع بنيامين نتنياهو من فترة ولاية رابعة رئيسا للوزراء. ومن المؤكد أنه لن يكون يئير لبيد الذي خيب الرجاء. ويبدو أنه لن يكون اسحق هرتسوغ الذي يتمتع بعدد من القدرات ليكون رئيس وزراء.
إن اشكنازي واولمرت، واولمرت واشكنازي هما باختصار صورة لفظ معسكر المركز اليسار في اسرائيل أنفاسه في نيسان 2014.

هآرتس