صندوق أوبئة مهندس حرب لبنان الثانية

عاموس هرئيل
ولدت قضية هولي لاند التي أُدين ايهود اولمرت أمس بسببها لتلقيه رشوة، ولدت في النصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي وانتقلت الى السنوات الاولى من العقد السابق. ويتبين الآن أنه في الوقت الذي كانت فيه عمليات الحافلات التفجيرية تهشم القدس، كانت لرئيس بلديتها اشغال اخرى. وإن سائر القضايا المعوجة التي خلص ايهود اولمرت من أكثرها الى الآن بصعوبة، مغروسة في تلك الفترة.
إن مركز الاستثمارات، ومغلفات الاموال، وريشون تورز، وبنك ليئومي، كلها حدثت حينما كان اولمرت رجل حياة عامة تولى مناصب مركزية (رئيس بلدية ووزير التجارة والصناعة ووزير المالية). ونقول بعبارة اخرى إن كل شبهات الجنايات هذه صيغت قبل أن تنقل الجلطة الدماغية التي أصيب بها اريئيل شارون، اولمرت الى ديوان رئيس الوزراء في كانون الثاني 2006، بكثير.
إن هذا الجدول الزمني يثير سؤالا واحدا وهو ماذا اعتقد بحق الشيطان؟ إنه لمعلوم بحسب قرارات المحكمة أن اولمرت عمل عن تضارب مصالح على تقديم مشروعات لمقربين منه في مركز الاستثمارات، وأنه حصل على مبالغ مالية ضخمة في مغلفات من رجل اعمال امريكي (برغم أن المحكمة لم تقتنع بأن ذلك كان لاحتياجات شخصية ولهذا برأته)، ودارت حوله صناعة متشعبة غير عادية من رحلات الى خارج البلاد، وحصل على نصف مليون شيكل رشوة لاحلال خطط بناء مرفوضة. كان اولمرت عالما بكل ذلك على نحو ما حتى حينما ورث مكان شارون.
لندع حقيقة أنه تولى المنصب دون خلفية أمنية سياسية جوهرية، وهو شيء برز الى حد الألم في صورة ادارته لحرب لبنان الثانية بعد نصف سنة. ألم يخش حينما عُين لأهم وظيفة في اسرائيل من أنه قد يتعرض لابتزاز؟ ومن أن الكثير جدا من الناس من ماضيه يعرفون عنه معلومات يمكن أن تكلفه عمله؟ يبدو في نظرة الى الوراء أنه توجد اماكن يجب على الانسان أن يقول فيها شكرا على التكريم، لكن الحقيقة أن هذا المنصب أكبر مني في هذه الظروف.
إن رؤساء حكومات اسرائيل في الجيل الاخير بعيدون عن أن يكونوا أنقياء بلا فساد. ويبدو أن لا أحد منهم يستحق أن يكون قدوة اخلاقية وادارية سليمة. فقد بلغت قضايا تتعلق بهم جميعا الى غرف التحقيق: اهود باراك والجمعيات، واريئيل شارون والجزيرة اليونانية وسيريل كيرن وجمعيات اخرى، وبنيامين نتنياهو والهدايا. ولا بد أن اولمرت كان يعلم أنه في ازمات أعمق من ازمات كل هؤلاء. ويبرهن تأثيمه أمس اذا لم يتحول بالاستئناف على أن تعيينه رئيسا للوزراء في 2006 كان فاسدا من الأساس.
وتثور في هذا السياق فكرة كئيبة اخرى. إن اولمرت قد دافع عنه على الدوام مدة عشر سنوات جهاز اعلامي كان يثني على قدراته على القيادة والادارة، وامتدح اعتداله السياسي واستخف بسلسلة تحقيقات صحفية عن اعماله. ووجد محامون وخبراء علاقات عامة مختصون كسبوا رزقهم من ذلك، لكن عمل معهم غير قليل من الصحفيين والمقربين قاموا بعملهم تطوعا. وقد كشف قرار المحكمة أمس ستار الدخان حول قضية هولي لاند.
وهذه فرصة اخرى لنقول كلاما واضحا ايضا في الانجاز المريب الثاني الذي سيتم تذكر اولمرت بفضله عدا أنه أول رئيس حكومة اسرائيلي يُحكم عليه بالرشوة، وأعني الحرب في صيف 2006. فتلك الحرب برغم الدعاوى التي يشيعها اولمرت وأنصاره منذ ذلك الحين قد أُديرت على نحو فظيع. وخرجت القيادة الاسرائيلية اليها في غرور وعدم تفكير ودون أن تفهم معنى القرارات الحاسمة التي اتخذتها. وقد تعوجت في قراراتها في الثلاثين يوما التي تلت ذلك، وهي تستعمل وحدات الجيش الاسرائيلي دون وجود هدف واضح. وفي المرحلة الاخيرة الحاسمة من الحرب وافقت على مسار تقدم قبيح كلف حياة 33 جنديا في ستين ساعة دون أن يكون له انجاز حقيقي واحد.
إن الهدوء الذي يسود حدود لبنان منذ نحو من ثماني سنوات ليس نتيجة ادارة اولمرت اللامعة بل هو نتيجة الدمار الذي سببه الطرفان بعضهما لبعض، فقد أدركت اسرائيل وحزب الله جيدا ما الذي يمكن أن تُحدثه قوة نيران العدو في جبهتيهما الداخليتين؛ هذا الى أن حزب الله مشغول في السنوات الثلاث الاخيرة بمساعدة نظام الاسد في سوريا. ومن الممكن جدا أن يكون اولمرت صرف بحكمة عملية قصف المنشأة الذرية السورية التي نسبت الى اسرائيل في 2007.
قد يكون مديرا بالفطرة وشخصا حميما محسنا، كما يُقسم كل من عمل معه تقريبا. لكن ما كان يجب أن ينهي حياته العامة في آذار 2009 مع تقدم الاجراءات في محاكمة تلنسكي ولا أمس على إثر الادانة، بل كان يكفي ما أحدثه في لبنان. كان يجب أن يستقيل في 14 آب 2006 وهو اليوم الذي دخلت فيه الهدنة التي وافق على قبولها بتأخر باهظ جدا، حيز التنفيذ.
لم أستطع منذ أن نشر الحكم أن أتحرر من التفكير في قائدي سريتين كتبت عنهما قتلا في ذلك الشهر اللعين في لبنان. كيف كان سيكون اعتقادهما في الشخص الذي أرسلهما الى الحرب لو علما أنه يوجد وراءه آنذاك صندوق أوبئة كهذا؟.