لنرقص برشاقة

بقلم: رامي المهداوي

اليوم مقالي مش سياسي ومش نقدي... وكمان أنت عزيزي القارئ يجب أن تمتلك مهارات رقص الباليه حتى تقرأ هذا المقال! شو بدكم بالطويلة... دعتني صديقتي لونا سلامة لحضور عرض باليه الذي ستشارك به بعنوان "أميرة من وراء الجدار" بمشاركة 55 راقصة من عمر 4 إلى 15 سنة في قصر رام الله للثقافة، بالفعل كنت هناك حتى أشجع لونا كما فعلت عائلتها، وعائلات الأخريات من الراقصات. بصراحة كان الحضور مفاجأة لي ليس فقط من ناحية العدد الذي كان أكثر بكثير من مناسبات مختلفة ليس بالضرورة ذكرها حفاظاً لماء الوجه السياسي والمؤسساتي، المفاجأة كانت لأسباب كثيرة سأتحدث عنها... الإيمان ومكوناته المختلفة من الحب.. حتى الإخلاص بفكرة ما وحده لا يكفي. شرين زيادة... مثلنا جميعاً تحب الموسيقى والرقص، لكن هي لم تكتفي بحب الأشياء، فقامت أولاً بإنشاء مركز رام الله للباليه بخطوات تحقق حلمها، انطلقت بقاعة صغيرة وعدد لم بتجاوز أصباع اليد الواحدة ممن يريد أن يتعلم رقص الباليه، حتى أصبح لها مدرستها الخاصة وراقصات "أميرات". بالتأكيد كان هناك دعم من الأهل أولاً وأخيراً لشرين، وأيضاً كان هناك من محيطها يعزف لها بالفشل.. الإحباط... لكن ما كانت تقوم به هو تجميع الانتقادات من أجل تطويرها، قالت لي " عدم الاستماع من بعض الناس شيء مهم... كنت أكمل الطريق في كل صباح... لا أحد بفيدك غير ذاتك... المحبطون أعطيهم جرعات من الأمل حتى يصبحوا مثلي ولا أصبح مثلهم". بدي أحكي عن العرض.. الراقصات... الجمهور، العرض كما قالت شيرين في كلمة الإقتتاح " ستشاهدون باليه فلسطيني.... باليه غير" ما قامت به هو تطويع الرقص والموسيقى حتى يخدم فكرتها الأساسية في العرض، فقد تم بناء سيناريو " أميرة من وراء الجدار" بنقل الواقع المعيش للطفولة الفلسطينية، قبل العرض من خلال تدريس "الأميرات" حول مفهوم الجدار وتثقيفهم معرفياً وحسياً

. تم اسقاط الموسيقى ورقص الباليه الذي هو عبارة عن رقص بالقوانين. شرين هدفها إنتاج عرض بسيط هادف، لتنتج الرقصات المختلفة قصة شعب خلف الجدار بأسلوب طفولي، وضمن الإمكانيات المتواضعة جداً تم بناء المسرح بما يخدم السيناريو من قصر وجدار. "الأميرات" كنّ أميرات بطفولتهن والأداء الممتع رغم الأداء البسيط لكن جميع الحضور كان يستمتع بما تم إنتاجه من حيث العمل الجماعي الإنتاجي لعمل فني مشترك بعد التدريبات المختلفة

. مثل هذه الأعمال الإنتاجية الجماعية يفتقدها أطفالنا في المجتمع الفلسطيني، على أهمية مضمون العرض، لكن برأيي ما وراء العرض بالنسبة لي كان هو الأهم من حيث: تجربة الوقوف على خشبات المسرح أمام جمهور كبير دون رهبة هو أولى الخطوات لكسر وتحطيم تفاعل هؤلاء الأميرات الصغيرات مع المجتمع ككل دون خوف، أيضاً أن تفتخر الأميرات بما قمن به أمام عائلاتهم شيء يعزز بناء الشخصية لديهم. ومن وراء الكواليس كان في العرض طفلتين تحدين ذاتهم أولاً ثم المجتمع، بالتفوق على إعاقتهم الجسدية، كل الإحترام لعائلاتهم ودعمهم لهم. الجمهور لم يكن جمهورا بمعنى الكلمة، إنما كان شريكا بالعرض، يريد أيضاً أن يشاهد ما قدم هو من مساندة للأميرات خلال الفترة السابقة، العائلة كانت حاضرة وبقوة، الأب يلتقط صور لأبنته الأميرة، والأم كانت تشاهد قلبها يرقص أمامها، التصفيق لم يكن مجاملة وإنما كان داعم ومشجع، وهنا قوة الحضور عندما يكون هو جزء من العرض، حتى الأطفال الذين حضروا العرض هم جزء من رسالة العرض من حيث المضمون

. شرين لم تحطم الجدار من خلال " أميرة من وراء الجدار" فقط!! إنما حطمت جدران مختلفة لم يتطع العديد من المؤسسات المختلفة تحطيمه، شرين حطمت الخوف من ذاته لينطلق في بناء ذاته من حيث الجرأة المجتمعية التي يحتاجها الكثير منّا، شرين حطمت مقولة بأن كل عمل بحاجة الى ممول أو مشروع فهي قامت بذلك وحدها مع مساعدة سواعد مختلفة، شرين أيضاً قامت بتأسيس قاعدة اجتماعية لها كان المجتمع هو بحاجة لها، شرين نموذج للشباب الفلسطيني الممتلئ بالطاقات والحيوية والعطاء والنشاط، ما قامت به شرين أكبر من مجرد مبادرة أو شركة خاصة ربحية لها بقدر ما قامت بتأسيس مدرسة مجتمعية مفتوحة للجميع دون أي عائق مادي، فقط رسوم من أجل تطوير كينونة المؤسسة.

هذه التجربة، دليل آخر بأن من يريد أن يعمل لا ينتظر من أي شخص أن يقول له ماذا عليه أن يفعل وكيف؟؟ عليك أن تكون أنت المبادر في تنفيذ ما عليك تنفيذه وبرشاقة كما هي رشاقة الأميرات على المسرح برقص الباليه من حيث خفة الأقدام والحركات، ورسالة ذات مضمون تحمل إيقاع المجتمع. للتواصل: بريد الكتروني mehdawi78@yahoo.com فيسبوك Rami Mehdawi