عودة الحرب الباردة

بقلم: تشيلو روزنبرغ

غزو الجيش الروسي الى شبه جزيرة القرم كان أكثر من متوقع. فروسيا لن تفلت من ايديها ذخائر استراتيجية هامة بقدر ما هي اوكرانيا وهي مجرد البداية، إذ ما هو بانتظار الانعزاليين الاوكرانيين والغرب هو حرب مضرجة بالدماء. ليس لاوكرانيا اي امكانية واقعية لفك الارتباط عن روسيا. في حرب القرم 1853 1856 خسرت روسيا لقوى الغرب بمساعدة الامبراطورية التركية، أما اليوم فنحن نوجد على مسافة سنوات ضوء مقارنة بتلك الفترة.

الثورة المزعومة في اوكرانيا اذا كان يمكن على الاطلاق تسميتها ثورة أدت الى انتصار الديمقراطية على الدكتاتورية. تحليل من هذا النوع تبسيطي للغاية، بل وحتى بعيد عن الواقع الجغرافي السياسي الذي نعنى به. وتقرر هنا بشكل لا لبس فيه: في اوكرانيا لم تكن ديمقراطية ابدا، وأغلب الظن لن تكون ايضا. لا تيموشينكو ولا معظم المعارضين يتبنون مذاهب ديمقراطية. العكس هو الصحيح. الاغلبية الساحقة من المعارضة هي قومية متطرفة، فاشية بل ونازية.

من ناحية الغرب، تشكل اوكرانيا ذخرا استراتيجيا ذا معنى استثنائي. أولا، السيطرة على اوكرانيا ستسمح للغرب بالدخول الى الخطوط الاقرب للامبراطورية الروسية بقيادة بوتين. ثانيا، ستسمح بالتواجد والتحكم بالبحر الاسود وببحر قزوين والقادر على أن يؤدي الى الالتفاف على تركيا كرأس جسر وحيد للعبور الى الشرق الاوسط. والمصالح الاقتصادية في البحر الاسود وبحر قزوين هائلة، كآبار النفط والكنوز الطبيعية الاخرى التي يعنى الغرب بالسيطرة عليها. بالمقابل تقف روسيا، ذات السيطرة اليوم في تلك المنطقة. ومع الاخذ بالحسبان لتطلعها لان تعيد لنفسها النفوذ في الشرق الاوسط، إذ ان استمرار سيطرتها في هذه المناطق هو امر حرج. وتخاطر بالرهان بان لها اساس تاريخي جد متين: روسيا لن تتخلى عن اوكرانيا بسهولة حتى لو تطلب الامر حربا ضروس. فمستقبل شبه جزيرة القرم وسبستوبول احد موانيء البحر الاهم في المنطقة، حيث تحتفظ روسيا باسطول حربي كبير جدا هو الذي سيحسم المعركة الحالية. فروسيا ترى في هذه الذخائر الاستراتيجية ضمانة لامن امبراطوريتها وللسيطرة في اوروبا، وعليه فمن يتصور ان تتخلى موسكو بسهولة عنها فانه يقع في الاوهام.

بعد آخر ينبغي أخذه بالحسبان قبل توزيع جلد الدب: اوكرانيا لا يسكنها فقط اوكرانيون. فعلى مدى سنوات الحكم القيصري والشيوعي في اوكرانيا نفذت ‘روسنة’ سيئة الصيت: نقل السكان من هنا الى هناك وبالعكس، مثابة فرق تسد. السكان العرقيون الروس يشكلون أغلبية في مناطق مختلفة في اوكرانيا. في شبه جزيرة القرم ذات الاهمية الاستراتيجية العليا، يشكل الروس اغلبية 60 في المئة من السكان. من الصعب الافتراض بان الروس في شبه الجزيرة سينضمون الى محاولات الغرب لسحب أرجل وطنهم من المنطقة. رغم العداء الكبير بين الاوكرانيين وبين الروس والتاريخ الطويل من سفك الدماء الشديد جدا، لا توجد مؤشرات على أن الروس في اوكرانيا سيكونون مستعدين لان يتنازلوا عن تواجدهم هناك. العكس هو الصحيح: منذ سقوط الاتحاد السوفييتي اجتازت اوكرانيا سلسلة محاولات فاشلة لاقامة ديمقراطية على النمط الغربي ولكنه بقي هناك عمليا حكم غير ديمقراطي على نحو ظاهر. والقول في أن تيموشينكو تتبنى توجها غربيا ليس له ما يستند اليه. في ماضيها تعاونت تيموشينكو مع الروس، بمن فيهم اصحاب المال والاغنياء القريبين من طاولة بوتين. لا توجد اي أدلة قاطعة على ان تيموشينكو والمعارضة كلها يريدون، عن حق وحقيقة، الارتباط بالاتحاد الاوروبي.

الثورة الاوكرانية لم تنته بعد. بعد أيام قليلة من الاطاحة بينوكوفتش ليست فترة كافية لتثبيت المسامير. اضافة الى ذلك يخيل أن اوكرانيا اليوم لا تزال بعيدة جدا عن ان تكون جزء لا يتجزأ من الهيمنة الغربية. وعليه، فمعقول اكثر ان تعود الحرب الباردة.