مصر وروسيا: الى أين؟

بقلم: افرايم كام وتسفي مغين

طرأ في الاشهر الاخيرة تسارع كبير وغير مسبوق في الاتصالات بين روسيا والحكم الجديد في مصر. في تشرين الاول 2013 زار رئيس المخابرات العسكرية الروسي القاهرة. وفي تشرين الثاني وصل وزيرا الدفاع والخارجية الروسيان معا الى مصر لاول مرة منذ بداية سنوات السبعينيات. وفي اعقاب ذلك، زار موسكو في شباط 2014 وزير الدفاع الرجل القوي في النظام المصري، عبدالفتاح السيسي ووزير الخارجية نبيل فهمي، برفقة وفد عسكري رفيع المستوى. وفي اعقاب الزيارة يدور الحديث عن لقاء آخر بين الطرفين على مستوى عال في نهاية اذار، وتطرح التقارير الصحفية امكانية زيارة الرئيس بوتين الى مصر.

الموضوع المركزي الذي طرح في هذه الاتصالات هو تعميق التعاون العسكري بين الدولتين. وحسب تقارير عديدة بحثت في المحادثات ويحتمل أن يكون اتفق فيها صفقة سلاح كبرى بين الطرفين، بحجم 2 3 مليار دولار. ويفترض بالصفقة أن تتضمن سربين من طائرات ميغ 29، مروحيات ام.اي 35، منظومات دفاع جوي، منظومات صواريخ شاطيء ضد السفن وسلاح مضاد للدبابات متطور. ويفترض ان يأتي تمويل الصفقة من السعودية واتحاد الامارات في الخليج. وفي ختام زيارة الوزيرين المصريين الى موسكو لم ينشر بيان عن الصفقة. وحسب بعض التقارير فقد تحقق اتفاق مبدئي بشأنها ولكنه لم يوقع بعد، ويحتمل أن يتفق عليها نهائيا في لقاء يعقد بين ممثلي الحكومتين في نهاية اذار 2014.

في اطار التعاون، قيل أن مصر ستمنح روسيا خدمات بحرية في ميناء الاسكندرية. يمكنها أن تشكل بديلا عن الخدمات التي تتلقاها روسيا في ميناء طرطوس في سوريا، اذا ما سقط نظام الاسد. والعلاقات الموسعة كفيلة بان تتضمن ايضا التعاون في مجال مكافحة الارهاب، التدريبات العسكرية المشتركة والتعاون الفني، وفي مجال الاقتصاد، تجديد منظومة الكهرباء في سد أسوان.

لا شك ان كثافة الاتصالات بين مصر وروسيا ترتبط بالتوتر الناشيء في الاشهر الاخيرة بين مصر والولايات المتحدة. في مصر يوجد غضب شديد على الانتقاد العلني الذي توجهه ادارة اوباما على اسقاط نظام الاخوان المسلمين في انقلاب عسكري وعلى استخدام قوات الامن للقوة تجاه نشطاء المنظمة. وقد بعث موقف الادارة الامريكية في القيادة المصرية الاحساس بان الادارة لا تفهم مشاكل وازمات مصر، وهي مستعدة لان تدعم نظام الاخوان المسلمين فقط لانهم وصلوا الى الحكم في انتخابات ديمقراطية وتستغل احتياج مصر للمساعدة الامريكية كي تتدخل في شؤونها الداخلية.

ولكن ما أثار غضب المصريين بشكل خاص هو قرار الادارة الامريكية تعليق جزء من المساعدة العسكرية الى مصر، ولا سيما في الوقت الذي تكافح فيه قيادتها لصد موجة العمليات الارهابية وفرض القانون والنظام. وكان قرار الادارة الامريكية حلا وسطا بين اولئك الذين طالبوا في الكونغرس ايضا بتجميد المساعدات العسكرية لمصر وبين اولئك الذين حذروا من خطوات تمس بالمصالح الامريكية، بما في ذلك بالعلاقات السلمية بين مصر واسرائيل. وهكذا قررت الادارة تجميد قسم من المساعدات العسكرية لمصر بمبلغ 250 مليون دولار، وتأخير الارساليات المخطط لها لبضع طائرات اف 16، مروحيات اباتشي، صواريخ مضادة للسفن وقطع غيار للدبابات بموجب الحظر على منح مساعدة لدولة اطيح بزعيمها بانقلاب عسكري.

السؤال الهام هو هل الاتصالات بين الدولتين ستولد صفقة سلاح كبيرة بينهما؟ اذا كانت هذه هي النتيجة بالفعل، فسيكون في ذلك تغييرا هاما في السياسة المصرية. فمنذ 1974 توقف توريد السلاح من الاتحاد السوفييتي الى مصر، بعد ان انتقلت هذه من الاتجاه المؤيد للسوفييت الى الاعتماد السياسي، العسكري والاقتصادي على الولايات المتحدة، بما في ذلك على السلاح الامريكي. وقرار النظام المصري الحالي بعد اشهر طويلة من تسلمه الحكم التوقيع على صفقة سلاح كبرى مع روسيا معناه انه يسعى الى تغيير وان كان بشكل محدود، ميزان علاقاته مع الدولتين العظميين، وان يوقف اعتماده الحصري على توريد السلاح من الغرب.

من كل التقارير التي وصلت حتى الان، معقول الافتراض بان مثل هذه الصفقة بحثت بالفعل بين الطرفين، وذلك لانه من الصعب بخلاف ذلك فهم مشاركة وزيري الدفاع والوفدين العسكريين للطرفين في المحادثات. واضح ايضا ان روسيا معنية بمثل هذه الصفقة. فمن ناحيتها سيكون في توقيع الصفقة انجاز هام سواء لمجرد عودتها الى سوق السلاح في مصر أم في الاشارة الى أن هذه ستؤشر الى الدول العربية التي تعتمد على سلاح غربي بان صفقة السلاح مع روسيا جديرة وشرعية. ويمكن للصفقة بالتالي ان تشكل رافعة لتوسيع متجدد لنفوذ روسيا في العالم العربي، مثلما حصل ايضا في منتصف الخمسينيات.

فضلا عن الاهتمام الروسي الصرف بتوسيع دائرة التصدير الامني الى الشرق الاوسط، فان الاعتبار الروسي المتصدر في استئناف الحوار مع مصر، وكذا مع دول اخرى في المنطقة ايضا، هو في اساسه اعتبار سياسي استراتيجي. فمنذ بداية الربيع العربي تتنافس روسيا على مكانها في منطقة الشرق الاوسط بعد أن اضطرت الى التراجع عن مكانتها السابقة التي بنتها بجهد جم، تحت ضغط المعسكر السني المسنود بالساحة الغربية. وقد انحصر النفوذ الروسي، اضافة الى ايران بسوريا وحدها، حيث تمكنت من الاحتفاظ به، حاليا. من ناحيتها، فان استئناف الحوار مع دول اخرى في المنطقة هو فرصة ايجابية بشكل خاص ينبغي استغلالها لتثبيت مكانتها الاقليمية وحث الفضائل حيال الغرب في الساحة العالمية. وقد نشأت هذه الفرصة في ضوء التغيير في سياسة بعض من الدول في المنطقة، التي تشعر بان سياسة الولايات المتحدة تتحداها. وضمن هذه تندرج، اضافة الى مصر، السعودية، الاردن والعراق، التي تدير حوارا جديدا مع روسيا، سواء في مواضيع المشتريات الامنية ام بالنسبة للتعاون السياسي.

واضح موقف النظام المصري من الصفقة، وهذه على ما يبدو ستكون متعلقة بثلاثة اضطرارات. الاول منذ الثمانينيات تقيم مصر علاقات عسكرية وثيقة مع الولايات المتحدة. وهذه تتضمن ليس فقط توريد واسع للسلاح بل وايضا تبني النظرية القتالية الامريكية، الارشاد والتدريب للضباط المصريين، مناورات مشتركة وبناء علاقات شخصية بين الضباط من الجيشين. ومع انه بقيت في الجيش المصري منظومات سلاح من عهد العلاقات مع الاتحاد السوفييتي، الا ان هذه هي اسلحة قديمة تعود الى 40 سنة فأكثر، والجيل الحالي من الضباط المصريين لم يعد لهم علاقة بالمنظومة العسكرية الروسية. وبالتالي فانه لن يكون سهلا اعادة استيعاب منظومات سلاح روسية بحجم حقيقي. اما الاضطرار الثاني فهو مالي. فالسلاح الامريكي يورد الى مصر كجزء من المساعدات التي تقدم لها منذ بداية الثمانينيات. ومعقول الافتراض بان روسيا لن تورد هذا السلاح في اطار المساعدة، وان ليس للمصريين قدرة وبالتأكيد في وضع مصر الاقتصادي الحالي على تمويل مثل هذه الصفقة بنفسها. مسألة مفتوحة هي هل السعودية واتحاد الامارات معنية بالفعل بتمويل الصفقة، كما علم.

الاضطرار الثالث هو الاهم. فالادارة الامريكية لم ترد بعد علنا على امكانية التوقيع على الصفقة. ولكن ينبغي الافتراض بانها تنظر اليها باستياء شديد لان توجه حليف مركزي لها الى صفقة غير مسبوقة مع روسيا ستشير الى ضعف امريكي آخر في المنطقة وستشكل انجازا لروسيا. وحسب تقارير صحفية، فقد عقدت في الاشهر الاخيرة عشرات المكالمات بين وزير الدفاع الامريكي ونظيره المصري، ووزير الخارجية الامريكي زار القاهرة. ومعقول الافتراض بان في هذه المحادثات ضغط الامريكيون على المصريين لعدم التوقيع على الصفقة. بالتالي يتعين على المصريين ان يأخذوا بالحسبان بان التوقيع على الصفقة سيؤدي الى رد امريكي سلبي والمس بعلاقاتهم مع الولايات المتحدة.

ليس واضحا من كل هذا اذا كانت الصفقة ستوقع. فلا يزال ممكنا ان يرتدع المصريون عن التوقيع على الصفقة عقب الاضطرارات المذكورة، او يقلصوها الى صفقة محدودة وغير ذات مغزى، ويكتفون بالاعراب عن استيائهم من سلوك الادارة الامريكية تجاههم في الاشهر الاخيرة. ولكن حتى لو وقع النظام المصري على الصفقة، معقول الافتراض بانه سيبقى يرى في الولايات المتحدة شريكه الاستراتيجي الاساس في المنطقة، وذلك لان ليس له بديل. ولكنه سيسعى الى توسيع قدرته على المناورة حيالها ويوضح لها بانه غير مستعد لقبول تدخلها في شؤونه الداخلية.

حرره: 
م . ع