قصة الصراع بين "داعش" و"القاعدة"

بقلم: يورام شفايتسر، ليئور البحري وايلان شكلرسكي

بيان زعيم "القاعدة" المركزي عن تنكره لمنظمة "الدولة الاسلامية في العراق والشام (المعروفة بالاحرف الاولى بالعربية "داعش") أثار اهتماما اعلاميا شديدا وفاجأ الكثيرين.

ولكن الاحتكاكات بين "القاعدة" المركزية وبين شركائها في طريق "الجهاد العالمي" ليست مشهدا نادرا، وهكذا أيضا النزاعات في أوساط الشركاء والمؤيدين للمنظمة.

وتجدر الاشارة الى أن مثل هذه المواجهة العلنية البارزة اندلعت قبل عدة سنوات بين زعيم "القاعدة"، بن لادن، ونائبه في حينه أيمن الظواهري وبين ابو مصعب الزرقاوي الذي أسس وقاد منظمة "القاعدة" في العراق، والتي نشأت عنها لاحقا "داعش".

الاعلان الرسمي، والعلني الحالي لـ "القاعدة" لم ينشأ من العدم، بل شكل مرحلة اخرى في التطورات بينها وبين ابو بكر البغدادي، رئيس منظمة "داعش".

وقد غرست بذور المواجهة في النصف الاول من العام الماضي، عندما أعلن البغدادي بناء على رأيه الخاص، في نيسان 2013 عن توحيد منظمة "الدولة الاسلامية في العراق" وبين جبهة النصرة في سورية واقامة منظمة باسم "الدولة الاسلامية في العراق والشام" (داعش). وفي الغداة، أعلن قائد جبهة النصرة، أبو محمد الجولاني، بأنه يتحفظ من الوحدة وانه لا يعترف بها.

وأثار رد الجولاني، الذي أرسله الى سورية البغدادي نفسه الخوف في اوساط قيادة الدولة الاسلامية في العراق في أن المخلوق ثار على خالقه، وأن الجولاني يكفر بصلاحياتهم. ولهذا السبب، فقد قرر قادة الدولة الاسلامية في العراق اقامة منظمة عليا تشرف على عموم النشاط في العراق وفي سورية من فوق رأس قائد جبهة النصرة.

وحاول زعيم "القاعدة" المركزي، ايمن الظواهري، التوسط بين الطرفين وجند لهذا الغرض المؤيدين لموقفه، بمن فيهم المقرب منه ناصر الوحيشي، زعيم "القاعدة" في اليمن. وهكذا حاول الظواهري الحفاظ على وحدة الصف وفي الوقت ذاته الحفاظ على مكانته العليا كزعيم "القاعدة" المركزي. وما أن فشلت الاتصالات للمصالحة حتى نشر الظواهري شريطا صوتيا في حزيران 2013 عبر فيه عن ضرورة ان تعمل كل منظمة من المنظمتين في بلاد مستقرها المركزي، أي "الدولة الاسلامية" في العراق وجبهة النصرة في سورية. ولكن البغدادي اختار بالذات ان يرد من خلال اتخاذ خطوات عملية، لتحقيق نيته العمل في الدولتين معا، وبالفعل منذ منتصف العام 2013 رفع مستوى تواجد "داعش" في سورية، وذلك بالتوازي مع التصعيد الكبير لنشاط منظمته في العراق ايضا. التعبير عن النشاط المتزايد في العراق يمكن أن نراه مؤخرا حين سيطر رجال منظمته مؤقتا على الفالوجا والرمادي في محافظة الانبار غربي الدولة. وفي سورية أيضا، اصبحت "داعش" هي المسيطرة بين منظمتي "الجهاد العالمي"، بل نجحت في السيطرة على عدة بلدات في الشمال أبرزها الرقة حيث يسكن مئات الاف السكان. كما احتل نشطاؤها مناطق اخرى في شمال شرق سورية، بما فيها اجزاء واسعة من محافظة دير الزور.

على مدى الزمن الذي انقضى منذ بداية اندلاع المواجهة، نشأت خلافات ومواجهات في المنطقة بين رجال "داعش" وبين محافل المعارضة الاخرى كـ "الجيش السوري الحر" ومقاتلين من الجبهة الاسلامية التي اعلن عن قيامها في سورية في تشرين الثاني 2013. ووجدت هذه المواجهات تعبيرها في صدامات عنيفة بين رجال "داعش" ورجال الجبهة، تضمنت تصفيات متبادلة واختطاف نشطاء. وتطورت صدامات مشابهة ايضا بين رجال "داعش" ورجال جبهة النصرة ووقعت مؤخرا في جنوب الرقة وفي دير الزور.

أساس الانتقاد الذي وجه لرجال "داعش" عني بسلوكهم الوحشي تجاه السكان المحليين ومحاولتهم فرض قوانين الشريعة عليهم. ووجد هذا السلوك تعبيره بالعقاب الشديد لمن شذ عن تفسيرهم المتشدد لقوانين الاسلام، في الفرض المتشدد للزي الاسلامي الكامل للنساء، منع التدخين وعزف الموسيقى على الملأ. وفي كانون الاول 2013 في مقابلة علنية اولى منحها لـ "الجزيرة" تحفظ زعيم جبهة النصرة من طرائق "داعش"، وادعى بان نشاطها اجرامي وكافر. ولم يتأخر رد "داعش" ونشر ناطق بلسان المنظمة شريطا هدد فيه بسحق معارضي طريق المنظمة بل وعرض جائزة مالية لكل من يقطع رأس مقاتل من المنظمة المنافسة. وفي ضوء استمرار الانتقاد الجارف على منظمته، نشر البغدادي ايضا منشورا دافع فيه عن رجاله بدعوى أن المنظمة بقيادته تمد اليد للمصالحة وان رجاله يفعلون كل شيء كي يحموا المسلمين في مواجهة اعدائهم فيما أن اساس قتالهم موجه ضد اعداء الاسلام الكفار الشيعة في العراق وفي سورية. وفي محاولته ابراز مكانته كزعيم لمحافل "الجهاد العالمي" ومنع اتساع الشرخ في صفوفهم دعا الظواهري، في تسجيل صوتي نشره في كانون الثاني 2014 الى وقف العنف بين المنظمات الاسلامية التي تقاتل الاسد واقامة مجلس يجسر الخلافات استنادا الى مبادىء الشريعة والفقه الاسلامي. ولكن يبدو أنه في هذه المرحلة لا يعتزم البغدادي الاستسلام لإملاءات زعيم "القاعدة". ثقته بنفسه عظيمة – عقب النجاحات التي سجلتها "داعش" في العراق وفي سورية في الفترة الاخيرة، وايمانه بعدالة طريقه كمن يطيع الطريق الذي رسمه النبي محمد. ووجدت هذه الثقة بالنفس تعبيرها في التصريحات العلنية التي قال فيها انه بين التعليمات التي يصدرها الانسان (وهو يقصد قرارات الظواهري) وبين التمسك بطريق النبي، الذي يمثله هو ومنظمته نصا وروحا، فان الاختيار واضح.

للحرب الداخلية الضروس بين محافل المعارضة وعلى رأسها المنظمات الاسلامية آثار سواء في سورية أم في الغرب. أولا، الانشقاق المحتدم بين المنظمات السلفية، التي هدفها الاولي كان التركيز على القتال ضد الحاكم السوري بشار الاسد والان تكرس معظم جهودها للقتال الداخلي في ما بينها، يخدم الرئيس السوري. ثانيا، المواجهة داخل المعسكر السلفي – الجهادي يشكل بالنسبة للدول الغربية فرصة لمحاولة صد التهديد المتعاظم، الذي يتراكم ضدها من جانب محافل "الجهاد العالمي"، التي تترسخ في سورية وتهدد بالانطلاق منها في المستقبل نحو ارجاء العالم. ويتيح هذا الشقاق المرير والضغينة بين نشطاء هذه المنظمات أرضا واسعة وخصبة لاعمال التجنيد، الدعاية المضادة، بل استغلال المواجهة الداخلية لاضعافها وتشويه صورتها في نظر المتجندين المحتملين الجدد الى صفوفها. ولكن رغم أنه في هذه المرحلة لا يبدو ان هذه المواجهة الداخلية وصلت الى حرب اهلية شاملة ورغم الصورة البراغماتية نسبيا لجبهة النصرة في وسائل الاعلام العالمية مقابل خصمها المتوحش من العراق، نوصي الا نخطئ فنعتقد بان وحدة الرؤيا لهذه المنظمات قد تضررت. فالمنظمتان تنتميان الى ذات التيار الفكري وترضعان من ذات المصادر الايديولوجية. وخطتهما الاستراتيجية، وهي اقامة دولة شريعة اسلامية على طراز "طالبان"، مماثلة. الفارق هو بالاساس في استعداد جبهة النصرة لان تؤجل، في هذه المرحلة، لاعتبارات الراحة، المعركة الحقيقية على طابع الشريعة في سورية الى موعد لاحق بعد أن يحسم الصراع مع الرئيس الاسد.

ان متابعة شكل تطور المعركة بين المنظمات قد تساعد اسرائيل ايضا في الاستعداد على نحو افضل لمواجهة التحدي المرتقب لها من تواجد ونشاط نحو 30 الاف ناشط جهادي عالمي على حدودها، ويشكل حسب رئيس شعبة الاستخبارات افيف كوخافي واحدا من التهديدات الاربعة المركزية للامن القومي لاسرائيل في السنة القادمة.

حرره: 
م . ع