تصعيد متعدد الأهداف ... ولكنه أصيل

ookal

ينطوي على شيء من الغرابة التساؤل الذي يصدر غالبا عن أسباب التصعيد العسكري، الذي تلجأ اليه إسرائيل بين الحين والآخر، ضد قطاع غزة. مصدر الغرابة هو ان الجميع يعرف مقدار تطرف الحكومة الإسرائيلية ويعرف الجميع ايضا ان إسرائيل غير العدوانية وغير العدائية للشعب الفلسطيني وجوداً وحقوقا هي إسرائيل غير موجودة الا في مخيلة بعض المقيمين بدولة إسرائيل، وتجربتها .

اذاً، الغريب بصفة عامة هو ان تكف إسرائيل عن ممارسة العدوان بكافة أشكاله على كل الشعب الفلسطيني. فهل يمكن الفصل بين العدوان العسكري ضد قطاع غزة عن العدوان متعدد الأشكال والأشد خطورة الذي تمارسه كل ساعة سلطات الاحتلال في الضفة الغربية؟

وهل يمكن الفصل بين هذه الاعتداءات وبين التحولات التشريعية والرسمية الجارية في إسرائيل منذ كثير من الوقت وتصاعدت ابان مسؤولية الحكومة القائمة فيها والتي تتخذ طابعاً عنصرياً وتمييزيا ضد أهل الأرض من الفلسطينيين مواطني دولة إسرائيل.

وهل تستمر في وصف كل ما يجري بالعدوان، ام انه تجليات صراع تاريخي عميق له صلة جذرية بالتاريخ والأرض والتراث، والثقافة والسياسة، وحتى مقومات المياه، والحقوق من ابسطها الى اعقدها؟

والتساؤل المتمم هو هل مع كل هذا الذي يجري وبعد هذا، يمكن تحقيق السلام مع دولة لا تعرفه أصلا، ولم تقم على أساسه ولا لتحقيقه، وانما كانت ابتداء لتنفيذ رؤية استعمارية لمنع قيام مشروع قومي عربي، ولاحتجاز تطور الأمة العربية، تلك الرؤية التي تلاقت مع رؤية الصهيونية بشأن الوعد الالهي المزعوم.

ولكن رغم ذلك نحن لا نستطيع إقناع المجتمع الدولي والقوى المتنفذة منه خصوصا، بهذه الحقائق، لذا فان السياسة تقتضي ان تفحص في كل مرة أسباب التصعيد الإسرائيلي في توقيت محدد، وأبعاد ذلك التصعيد.

ما يتجاهله المراقبون بشأن أسباب هذا التصعيد الذي يتخذ شكل موجات متقطعة ضد قطاع غزة، هو ان مثل هذا التصعيد يسعى من بين أهداف عديدة الى حرف الأنظار عن المخاطر الحقيقية التي تترتب على الاستيطان المتسارع والمكثف في الضفة الغربية، وما يرافقه من إجراءات تهويدية للقدس.

العدوان الصهيوني على الضفة الغربية لا يقتصر على هذه الاتجاهات وانما بات المستوطنون وميليشياتهم يشكلون خطراً يومياً محدقاً بالفلسطينيين بيوتاً وارضا ومزارع، ومساجد، ومدارس، الى الحد الذي دعا رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو لدعوة المجلس الامني لمناقشة أبعاد ما يقوم به المستوطنون.

وبالإضافة، فان الحكومة الإسرائيلية تحاول تغطية مسؤوليتها عن إفشال مساعي الرباعية الدولية والولايات المتحدة، من اجل استئناف المفاوضات.

على ان ثمة أسبابا كثيرة وجديرة بالاهتمام، لتفسير موجات التصعيد العسكري الإسرائيلي ضد قطاع غزة، والتي لا تهدأ لتثور ثانية الا بعد التدخل النشط للشقيقة مصر، التي تحسب لها الدوائر السياسية والعسكرية في إسرائيل الف حساب.

تحتاج هذه الحكومة القائمة لشن حرب واكثر، للهروب من ازمتها الاجتماعية الاقتصادية الداخلية التي تعصف بها ولا تزال تتفاقم دون ان تتمكن حكومة نتنياهو من معالجتها، الامر الذي قد يدفعها الى الدعوة لانتخابات مبكرة، ظهرت اولى مؤشراتها في الدعوة لانتخابات مبكرة داخل حزب الليكود.

الحكومة الإسرائيلية بحاجة لمثل هذه الحروب، والجيش الاسرائيلي اكثر حاجة وحماسة، ذلك ان بعض الحلول المطروحة للازمة الاقتصادية الاجتماعية الداخلية ذهبت الى حد تقديم اقتراحات بتقليص ميزانية الجيش بنحو اربعة مليارات شيكل، فيما ترى القيادة العسكرية ان الجيش بحاجة الى رفع سقف موازنته للعام القادم بثلاثة مليارات من الشواكل ؟

الجيش مضى اذاً بإعادة تأكيد دوره وهيبته، والحفاظ على أولويته في السياسة الاسرائيلية، ولذلك هو يحتاج الى حروب، يوهم الجميع من خلالها بان اسرائيل لا تزال تواجه اخطاراً كبيرة، الامر الذي يستحق ايلاءه الاهتمام اللازم ودعمه بالموازنات التي تمكنه من حماية امن اسرائيل ووجودها.

غير ان شن هذه الحروب المطلوبة، ليس بالامر الهين او السهل، ذلك ان اسرائيل مقيدة بحسابات ردود الفعل الشعبية والرسمية العربية في ظل حركة التغيير الجارية في المنطقة، وهي ايضا مقيدة بحسابات السياسة الاميركية ازاء هذه لمتغيرات، لذلك فان اسرائيل التي لا تستطيع شن حروب واسعة، تسعى للاحتفاظ بقدر من التصعيد العسكري المحسوب الى ان تواتيها الفرص.

وفي الأهداف المباشرة لا بد من ملاحظة ان التقدم في مسيرة المصالحة الفلسطينية، يشكل لاسرائيل حافزا للتصعيد بهدف ايصال رسائل للاطراف المعنية خصوصا 'حماس'، على ان تحقيق المصالحة واستعادة الوحدة، دونه استعداد إسرائيلي للقيام بعدوان اكبر وأوسع على قطاع غزة.

وتشير عمليات الاغتيال التي قامت بها الطائرات الإسرائيلية مؤخراً الى انها قد تستهدف قيادات ورموزا أكثر أهمية، لاستدراج الفلسطينيين الى ردود تبرر لها تصعيد عدوانها، خاصة بعد ان فشلت في تحريض مصر على فصائل المقاومة بدعوى انها تلعب في ساحة سيناء من خلال تهريب الأسلحة، وشن عمليات ضد إسرائيل وإقامة قواعد صاروخية او غيرها.