‘هنا المنفى’

بقلم: روبيك روزنتال

صادقت الحكومة الاسبانية هذا الاسبوع على قانون يسمح لمن نفي منها قبل اكثر من 500 سنة ويمكنه أن يثبت ذلك ان يحصل على الجنسية الاسبانية. القرار، الذي أعلن عن النية لاتخاذه قبل اكثر من سنة، او استمرار لقرار اسباني يعود الى 50 سنة لالغاء قضاء الطرد بأثر رجعي وكذا محاكم التفتيش. الجانب العملي فيه لا يبدو صاخبا ولكن القرار يثير أفكارا ذات صلة بحياتنا هنا في الدولة اليهودية.
يذكر هذا القرار كل من يريد أن ينسى بان المصير اليهودي الذي ينطوي على الاضطرابات والتنقلات لم يبدأ بالكارثة، ولا حتى في اضطرابات العشرينيات. فالحركة القومية اليهودية ليست نتاجا مصطنعا لليقظة القومية في القرن التاسع عشر، وهي تحمل معها امورا تاريخية تتعلق بتجربة فاشلة للانخراط في الشعوب الاخرى. وهذه الامور موجهة لاولئك الذين يتمسكون بالنظريات العابثة عن ما بعد الصهيونية.
يذكر هذا القرار كل من يريد أن ينسى وان ينسي، بان التقاليد السفرادية (الاسبانية او الشرقية) والاشكنازية (الغربية) وان كانت تختلف في الجوانب الدينية المختلفة ولكننا جميعنا جئنا من ذات المصدر. أجدادي، حسب الشجرة الموثقة الى هذا الحد او ذاك وصلوا الى اوروبا في اعقاب نفي البرتغال ولهذا فقد كانوا ‘سفراديم’ (اسبانيين). وتحولوا الى ‘اشكنازيين’ إذ اختلطوا بيهود شرق اوروبا وبعد ذلك المانيا، وتحولوا في موجة التنور التي المت باوروبا الى يهود علمانيين.
الى الدولة اليهودية عاد وتدفق من جديد مهاجرو منافي اسبانيا والبرتغال في موجات الهجرة، الحركة القومية وفي اعقاب الكارثة واقامة الدولة. والمفارقة هي ان الدولة اليهودية بالذات تحفظ بوسائل مؤطرة وجاليات دينية متزمتة هذا التضارب بل وحتى العداء بين ‘السفراديم’ و ‘الاشكناز′. ويعزز هذا الحفظ التشخيص المغلوط والمشوش بين ‘السفراديم’ و ‘الشرقيين’. ‘فالشرقيون’ هم سليلو بلدان آسيا وافريقيا، وان كانت أغلبيتهم غربيون بالذات. ‘السفراديم’ هم سليلو البلدان التي سيطرت فيها التقاليد الدينية السفرادية (الاسبانية)، والكثيرون منهم وصلوا من بلدان اوروبا. لا ضير بالطبع في حفظ الثقافات المختلفة لسليلي الشتات المختلف.
فثمة في ذلك حتى جمال وثراء. المشكلة هي أن التقسيم بين ‘السفراديم’ وبين ‘الاشكناز′ ليس تقسيما متعدد الثقافات، تغذي فيه وتخصب كل ثقافة الثقافة المشتركة بل هو تقسيم يثير الشقاق، يخلق الانفصال، العداء والمراتبية. وبدلا من ان نسمع في العالم الديني الاسرائيلي صوت الاعتدال والقبول السفرادي الذي تصمم في العصر الذهبي ما قبل نحو الف سنة، نسمع صوت التزمت الحريدي الاشكنازي الذي تصمم في اجواء العزلة والاضطهاد في بلدان الاشكناز. فالمنظور التاريخي الذي يعود الى 500 سنة يحل محل منظور قصير العهد للدولة التي على الطريق والتي فشل فيها ‘الاشكناز′ المهيمنون، في فهم، في تقرب وفي تطوير ‘السفراديم’ المنبوذين.
ثمة فقط مجال واحد خلقت فيه الاشكنازية والسفرادية تعايشا مثمرا اللغة. بن يهودا ورفاقه اعلنوا عن اللفظ السفرادي لسبيل للتهجئة السائدة في بلاد اسرائيل. فقد قرر بن يهودا بان هذا هو السبيل بعد أن سمع يهود جزيرة جربا التي في الجزائر يتكلمون العبرية. وتخلى الاشكناز عن العزف الاشكنازي، رغم أن النشيد القومي نغنيه باللفظ الاشكنازي، ولكنهم أثروا على اللغة بوسائل عديدة اخرى، واليوم توجد لنا لغة مختلطة، لا سفرادية ولا اشكنازية، عبرية اسرائيلية. يمكن للمرء أن يتعلم شيئا من هذا.