وثيقة المبادئ الامريكية

بقلم: شلومو بروم

المفاوضات بين اسرائيل، الفلسطينيين والولايات المتحدة على وثيقة مبادىء أمريكي تسمح للطرفين بمواصلة المفاوضات على الاتفاق الدائم حتى بعد نهاية الاشهر التسعة التي خصصت للمفاوضات، والتي تنتهي في نيسان 2014، دخلت في المصاف الاخير. فوزير الخارجية الامريكي يتطلع الى الوصول الى وثيقة تكون مقبول من الطرفين، قبل التحرير المتفق عليه لمجموعة السجناء الفلسطينيين الاخيرة في اذار 2014.

لقد كانت نية كيري الاصلية هي التوسط بين الطرفين من أجل الوصول الى اتفاق اطار يوقع عليه الطرفان. وفقط بعد ان تبين بان الفجوات بين مواقف الطرفين كبيرة جدا ولا تسمح باتفاق اطار كهذا، تبنى كيري هدفا اكثر تواضعا وهو صياغة وثيقة مبادىء امريكية يمكن للطرين ان يقبلاها بشكل مبدئي حتى لو اعربا عن تحفظاتهما عن قسم من مضامينها. ثمة مسافة واسعة بين اتفاق اطار واتفاق دائم مفصل يمكن تطبيقه بعد التوقيع ومسافة حتى اكبر من ذلك بين ورقة مبادىء امريكية واتفاق دائم. الامر الوحيد الذي ستحققه على ما يبدو مثل هذه الورقة، اذا ما وافق الطرفان على تبنيها مبدئيا، فهو استمرار المفاوضات بعد نيسان 2014. اما مدى تأثير مثل هذه الوثيقة على جوهر المفاوضات التي ستستمر فمنوط بقدر كبير على مستوى تفاصيل الوثيقة وحجم التحفظات التي تكون لكل طرف من الطرفين. وتذكر مثل هذه الورقة بقدر ما بخريطة الطريق في 2002 والتي قبلها الطرفان مبدئيا مع قائمة طويلة من التحفظات مما أدى الى تطبيق قسم من المرحلة الاولى من اصل المراحل الثلاثة التي تضمنتها الوثيقة.

يحاول وزير الخارجية تصميم ورقة متوازنة تلبي الاحتياجات الجوهرية للطرفين والاحتياجات السياسية لزعيميهما على حد سواء، وذلك للتخفيف عنهما في تسويقها لجمهوريهما والساحتين السياسيتين في الطرفين. ولا تزال الورقة في مراحل المفاوضات مع الطرفين ولم تصمم نهائيا بعد. ثمة تصريحات تأتي من الاطراف الثلاثة عن جوهرها ولكن من الصعب ان نميز بين التقارير الدقيقة وبين التصريحات السياسية التي تستهدف التلاعب على الاطراف الاخرى، المفاوضين و/او الجماهير والساحات السياسية لاسرائيل والفلسطينيين.

سيكون، على ما يبدو، فرق بين مستوى التفصيل في المواضيع المختلفة. والاختلاف سيعبر بقدر كبير عن الجهد الذي بذله الامريكيون لتلبية المطالب الاسرائيلية في موضوع الامن والذي سيكون كما يبدو الاكثر تفصيلا، وذلك للسماح لرئيس الوزراء نتنياهو التقدم نحو الفلسطينيين في المواضيع الاخرى. وتبين أن الامر ليس سهلا لان الوسيط الامريكي، الذي ركز على الدور الامني لغور الاردن، سعى الى طرح منظومة بديلة تضمن منع تهريب الوسائل القتالية والاشخاص عبر الغور حتى دون تواجد اسرائيلي. وفي نظر الخبراء الامريكيين (الجنرال ألن وفريقه) فان مثل هذه المنظومة يمكنها أن تسمح باخلاء قوات الجيش الاسرائيلي من الغور بعد بضع سنوات. ويمكن تحقيق ذلك من الفلسطينيين لانهم يفهمون بان تطبيق الاتفاق، ولا سيما اخلاء المستوطنات سيستغرق على اي حال عدة سنوات (عباس وافق منذ الان على خمس سنوات). وفي هذه الاثناء لا توجد مؤشرات على أن اسرائيل تنازلت عن مطلبها مواصلة تواجد قواتها في الغور على مدى سنوات طويلة. في نظر الفلسطينيين أكثر خطورة من ذلك بكثير هي حقيقة ان اخلاء قوات الجيش الاسرائيلي سيشترط بالاداء العام للفلسطينيين في موضوع الامن في كل مناطق الدولة الفلسطينية، وضمنيا بحكم اسرائيلي في هذا الموضوع.

وفي نظر الفلسطينيين فان هذا هو السبيل الاسرائيلي لمواصلة الاحتلال بشكل آخر ودون قيد زمني، لان اسرائيل لن توافق ابدا على أن تقول ان الفلسطينيين نجحوا في الاختبار. وفي ضوء تجربتهم التاريخية مع اسرائيل، من الصعب القول ان هذا التقدير مدحوض. اضافة الى ذلك، فان اسرائيل تطالب بحق المطاردة الساخنة في كل اراضي الدولة الفلسطينية. في هذه الحالة ايضا فان الفلسطينيين مقتنعون بان اسرائيل ستستخدم هذا الحق لتحقيق حرية عمل كاملة في الاراضي الفلسطينية. في نظرهم، تريد اسرائيل ان تواصل مظاهر نشاطها الحالي رغم وجود دولة فلسطينية سيادية ولكن الامر لن يسمى احتلالا. اما الفلسطينيون فيقترحون بديلا، مثلما فعل الرئيس عباس في مقابلته الاخيرة مع ‘نيويورك تايمز′ ان ترابط في اراضي الدولة الفلسطينية في غور الاردن وفي كل مكان آخر يلزم ذلك، قوات الناتو (بتعزيز قوة اردنية)، بقيادة امريكية، ولكن اسرائيل تتمسك بمعارضتها لقوة دولية كبديل عن التواجد العسكري الاسرائيلي. ويبدي الفلسطينيون استعدادا لقبول تجريد الدولة الفلسطينية ولكن ليس واضحا ما هو الوضع بالنسبة لمطالب اسرائيلية اخرى كالسيطرة في المجالين الجوي والالكترومغناطيسي ومحطات الانذار المبكر في الاراضي الفلسطينية. وختاما، من الصعب في هذه المرحلة أن نرى كيف سينجح فريق كيري في تربيع الدائرة في مجال الامن.

ومع ان المخفي اعظم من البين في ما يتعلق بمضمون الوثيقة، ولكن يبدو أن وزير الخارجية يعتزم التقدم نحو اسرائيل في ثلاثة مواضيع اخرى، الاعتراف باسرائيل كالدولة القومية للشعب اليهودي، نهاية النزاع وعدم عودة اللاجئين الفلسطينيين الى اسرائيل. ثمة سبل مختلفة للصياغة بشكل ايجابي عدم عودة اللاجئين وليس واضحا بعد اذا كان الامريكيون اختاروا واحدا من هذه الطرق لمنع معارضة فلسطينية حادة لبند يقول: ‘لا حق عودة’ والا فلا. كما أن كيري على ما يبدو سيتقدم نحو الفلسطينيين في المسألة الاقليمية حين سيقرر بان الحدود بين الدولتين ستكون على اساس خطوط 67 مع تبادل للاراضي، وهكذا يتم في مسألة القدس، وان كانت ثمة مؤشرات على أن الفلسطينيين غير راضين في هذه النقطة لانهم يعتقدون بان البند في موضوع القدس غامض جدا. وسيبذل كيري على ما يبدو جهدا أعلى ايضا للوصول في نهاية المطاف بعد الفترة الزمنية المقررة، الى ألا يكون تواجد عسكري اسرائيلي في اراضي الدولة الفلسطينية.

تضع مساعي وزير الخارجية كيري لانتاج وثيقة متوازنة الطرفين أمام معضلة قاسية. فمن جهة كل واحد منهما سيضطر الى ‘ابتلاع عدة ضفادع′ ستضعه في مصاعب سياسية مع ساحته السياسية نفسها ومع جمهوره. ومن جهة اخرى، فان من سيعتبر مسؤولا عن فشل الخطوة من شأنه ان يدفع على هذا ثمنا باهظا في الاسرة الدولية. والامر صحيح بالنسبة للجانب الفلسطيني الذي يدين باستمرار وجود السلطة الفلسطينية للمساعدة المالية الدولية وكذا يفهم بانه الطرف الضعيف حيال اسرائيل ووحدها الاسرة الدولية يمكنها أن تساعده على خلق توازن ما بين الطرفين. عمليا، الخيار الوحيد للطرف الفلسطيني، بعد فشل هذه الخطوة، هو التوجه الى الاسرة الدولية. والامر صحيح ايضا بالنسبة للطرف الاسرائيلي الذي يخشى من تسريع عملية نزع الشرعية والمقاطعات على اسرائيل ولا سيما من تضعضع العلاقات مع الادارة الامريكية. والانطباع الناشيء ان الطرفين، اللذين لا يؤمنان بنجاح هذه الخطوة السياسية، يركزان على الجهود لالقاء الذنب على الطرف الاخر، وفي هذا الاطار تكاد تكون كل الوسائل مشروعة، بما في ذلك الاحابيل الاعلامية والتسريبات الجزئية.

في نهاية المطاف يمكن للطرفين أن يجدا نفسيهما في وضع يضطران فيه الى قبول وثيقة المبادىء رغم استيائهما ومع الكثير من التحفظات وذلك لانهما لا يمكنها أن يلقيا بالذنب فقط على الطرف الاخر. واذا كان هذا ما سيحصل فمن الصعب الافتراض بان الوثيقة موضع البحث يمكنها أن تكون اساسا جيدا لمفاوضات سريعة وناجعة، وخير تفعل الاطراف الثلاثة اذا ما استغلت الفترة الزمنية الاضافية للبحث في بدائل اخرى غير بديل الوصول السريع الى اتفاق دائم. والذي لا يبدو في الافق.