عراقيون يقتلون عراقيين

بقلم: تسفي برئيل

‘لماذا نشعر بواجب التورط في حرب ناس يقتل بعضهم بعضا؟ إن آلاف البشر يفقدون حياتهم في هذا الجنون. فلماذا تعتقد الولايات المتحدة أنه يجب عليها أن تكون جزءً من ذلك؟ ولماذا لا ندعهم يقتل بعضهم بعضا، فقد فعلنا هناك ما يكفي’.
إن انفجار الغضب هذا لم يوجهه عضو مجلس النواب الجمهوري دانا روهرباتشر على السياسة الامريكية في سوريا. فقد كانت العراق على الخصوص في هذه المرة هي المستهدفة لرئيس اللجنة الخارجية الثانوية للشؤون الاوروبية الذي عبر عن اشمئزازه من استمرار التدخل الامريكي في العراق الذي لا يفعل ما يكفي كما يزعم لمحاربة القاعدة. ووجه روهرباتشر شعوره بالخيبة الى نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون العراق وايران، بيرت ميكدورك، الذي دُعي الى مساءلة كي يُبين سياسة الادارة الامريكية في العراق. وقد رد ميكدورك قائلا: ‘سواء أحببت ذلك أم لا ـ إن مصالح الولايات المتحدة الحيوية في خطر ولهذا يجب علينا أن نفعل كل ما نستطيع′. لكن كل ما تستطيع الولايات المتحدة فعله ليس كثيرا. فهناك ارسال بضع عشرات من الصواريخ وطائرات اف 16 لم تصل بعد، وعدد من الطائرات بلا طيارين تجمع معلومات استخبارية وتهاجم تجمعات لنشطاء القاعدة.
لكن تصريحات روهرباتشر تثير الاهتمام لسبب آخر. فالذي يريد أن يعرف عن سياسة الولايات المتحدة في المستقبل فيما يتعلق بسوريا لا يستطيع أن يتجاهل المبدأ الذي كأنما أُخذ من المعجم الاسرائيلي وهو أنه لا داعي للتدخل حينما يقتل العرب العرب. لم تبلغ سوريا في الحقيقة الى هذه المرحلة الى الآن، لكن العراق أخذت تصبح دولة مهجورة اعتُقد أنها فشل مثل افغانستان يحسن التحلل منه. ومن المؤكد أنه لا سبب يدعو الى الاستمرار على مساعدة دولة تخضع خضوعا مباشرة لتأثير ايران.
إن العراق بخلاف سوريا دولة لا تحتاج الى مساعدة اقتصادية لأن مواردها الضخمة من النفط تنفق على اجهزتها وعلى جيشها، وأهميتها الاستراتيجية تفوق أهمية سوريا بأضعاف مضاعفة. بيد أنها تبدو الآن مثل دولة منتقضة يملي الارهاب برنامج العمل فيها. وقد اصدرت وزارة الدفاع العراقية هذا الاسبوع توجيها الى المواطنين ليفحصوا سياراتهم جيدا قبل تشغيلها بسبب التكتيك الجديد للمنظمات الارهابية. فقد تبين أن الارهابيين بدأوا بسبب الصعوبة النسبية باستعمال سيارات مفخخة، بدأوا يلصقون شحنات ناسفة بسيارات خصوصية ويفجرونها من بعيد. وهذا ما حدث في الاسبوع الماضي حينما انفجرت سيارة بالقرب من وزارة الخارجية العراقية وفي حي الصدر في شمال المدينة. وقد أحدث تفجير السيارات بالطريقة التقليدية أو بالطريقة الجديدة طريقة سياقة جديدة. ويتحدث الصحفيون العراقيون عن الزحام الفظيع في شوارع بغداد بسبب مئات الحواجز التي وضعها الجيش. فالسفر الذي يستغرق في العادة دقائق معدودة يستمر احيانا ساعتين، وتضاعفت أجرة السفر في سيارة الأجرة بسبب المدة المطلوبة للوصول من شارع الى آخر.
تجري العراق منذ اشهر طويلة الى جانب محاربة الارهاب في المدن الذي قتل بسببه في شهر كانون الثاني وحده أكثر من 1100 شخص تجري منذ اشهر طويلة حربا ايضا في محافظة الأنبار في غرب الدولة في مواجهة تجمعات للقاعدة والقبائل السنية التي تطلب تساويا في الحقوق. وفي هذه الاثناء احتل رجال القاعدة مدينة الفلوجة ويجتاز مئات من الارهابيين الذين يعملون في سوريا الحدود الى العراق، والى ذلك يتوقع أن تجرى في نيسان انتخابات لمجلس الشعب، ويسهم الصراع السياسي بنصيب في ميدان الصراعات العنيفة بين مؤيدي رئيس الوزراء نوري المالكي وخصومه.
وبرغم ذلك، وبخلاف سوريا، ما زال في العراق حكومة تؤدي عملها ومجلس شعب يجد وقتا ليبحث مثلا في قانون التقاعد الذي يثير خلافا كبيرا بسبب المواد فيه التي تمنح نواب الجمهور والموظفين الكبار حقوقا زائدة. ويعمل جهاز التربية بصورة منظمة تقريبا، وفي المجمع التجاري الفخم ‘منصور مول’ حيث قتل في الشهر الماضي 21 شخصا بهجوم ارهابي، يمضي الناس الى المطاعم الى دور السينما، بل إن وزارة الثقافة العراقية تدعم انتاج ثمانية افلام جديدة ستعرض هذه السنة. ويدرس نحو من 400 ألف طالب جامعي في الـ 59 جامعة عامة وخاصة، وسعت في السنوات الاخيرة دراسات العلوم ولها تعاون وثيق مع جامعات في الغرب.
لكن العراق لم تبعث حية الى الآن، فالخدمات الصحية فيها مثلا من اسوأ الخدمات في الشرق الاوسط، وعلى إثر الهرب الكبير لآلاف الاطباء في فترة الحرب بقي فيها الآن ثمانية أطباء لكل 10 آلاف شخص، ولم يعد عدد منهم مستعدين للعمل في مناطق خطرة، وقد حصل 59 بالمئة من الاولاد فقط على تطعيم من الامراض، ولا يوجد لـ 95 بالمئة من السكان تأمين صحي. ويعيش نحو من ثلث المواطنين في هذه الدولة الغنية تحت خط الفقر. وتوجد العراق فوق افغانستان بثلاث منازل فقط في مقياس الفساد.
يمكن أن تكون العراق نموذجا لما يتوقع في سوريا بعد أن تنتهي الحرب فيها مع فرق ضخم واحد وهو أن العراق يمكنها أن تنفق على اعادة اعمارها.
والسؤال من الذي سينفق على اعادة اعمار سوريا التي تقدر كلفتها الآن بنحو من 100 مليار دولار؟ ومن سيهتم بسوريا أصلا بعد الحرب؟.