موفاز و"كاديما"

adli_sadikkk

حقق شاؤول موفاز مبتغاه فأطاح بغريمته تسيبي ليفني وحلّ قي موقعها رئيساً لحزب "كاديما" بمساعدة خصمها نتنياهو من موقعه في "الليكود". لكن مجموعة عوامل موضوعية، تلاقت لكي تحجب عن موفاز الثمرة السياسية السريعة، التي يقطفها كل جنرال يتحول الى العمل الحزبي، فيتزعم في السياسة، ويلقى الترحيب من جمهور يبجّل رموز الحرب. أولى هذه العوامل أن الرجل من أصل شرقي، يصعب عليه أن يصعد الى القمة في مجتمع عنصري على كل المستويات. وثاني هذه العوامل، أن ترؤس موفاز لحزب "كاديما" جاء في مناخ أزمة اجتماعية ـ اقتصادية، بينما هو لم يتعاط في قضايا هذا الميدان، ولا يؤمل منه شىء بصددها، لأنه بلا رؤية أصلاً. فضلاً عن ذلك، يؤخذ عليه تكرار التذبذب في المواقف، حسب الأجواء، طلباً للتزعم. فضلاً عن ذلك، كانت وسيلة صعوده الى رئاسة "كاديما" انتهازية بامتياز، وبالتالي في موضع الاحتقار أمام الرأي الإسرائيلي العام. وكان موفاز قد هيأ نفسه، الى الانشقاق مع سبعة نواب من حزبه والانضمام الى "الليكود" لو لم تطاوعه ليفني رئيسة الحزب السابقة، فتُجري انتخابات داخلية على زعامة الحزب، قبل موعدها. لكنها طاوعته فأسقطها بجدارة وبفارق 25% من الأصوات. وعلى الرغم من فوزه الحزبي الداخلي الكاسح، إلا أن استطلاع الرأي الأول بعد هذا الفوز، أظهر وضعاً معكوساً لموفاز خارج الحزب، إذ نجم عن سقوط ليفني، هبوط آخر سريع لـ "كاديما" في الاستطلاع نفسه!

* * *

خارطة القوى الحزبية في دولة الاحتلال، ستشهد بعض التبدلات، إذ سيظهر حزب يميني جديد يؤسسه الممثل والصحفي ومقدم البرامج التلفزيونية يائير لبيد، الذي عمل رئيساً لتحرير صحيفة "يديعوت أحرونوت". وبحكم صعوبة بقاء تسيبي ليفني في حزب يقوده خصمها موفاز؛ كان التوقع، أن تلجأ ليفني الى حزب يائير لبيد عند تأسيسه، بحكم كونه الأقرب الى مناخها الأيديولوجي. لكن لبيد نفسه أعلن سريعاً أنه لن يستوعبها، فأجابت هي بنفي عزمها على الالتحاق به أصلاً. وبغياب هذه المرأة الاشكنازية عن واجهة الحياة السياسية، وهي التي تجر وراءها سيرة حياة مثيرة، تتحقق الفائدة لامرأة أخرى هي شيل يحيموفتش زعيمة حزب العمل (وهي مثل ليفني، إشكنازية ومن أصل بولندي). فمع هبوط "كاديما" في الاستطلاع الأخير، كان هناك ارتفاع لنقاط حزب العمل بلغ بموجبه عدد المقاعد المتوقعة له 18 مقعداً. غير أن موفاز يعوّل على نقطتين تحكمان اللحظة السياسية الراهنة في إسرائيل، وعلى صعيد علاقاتها بالولايات المتحدة. فمنطق موفاز أقرب الى الموقف الأمريكي من أمرين: ما يسمى "التهديد النووي الإيراني" والمفاوضات مع الطرف الفلسطيني. ففي الأمر الأول، هو يرى أن نتنياهو يعتمد أساليب مضللة في تضخيم الخطر، وأن العمل العسكري هو خيار أخير، وعندما يكون خياراً أخيراً وتهديداً "وجودياً"؛ ينبغي أن تكون الولايات المتحدة هي من تقود عملية التصدي لإيران!

أما في الموضوع الفلسطيني، فهو يتبنى موقفاً مماثلاً لموقف ليفني الداعي الى العمل على استمرار المفاوضات لتحقيق غاية واحدة، وهي تحسين صورة إسرائيل في العالم، ولتمكينها من شن الحروب وفي الوقت نفسه أن تكون ذرائعها مقبولة. يزيد موفاز على ليفني أنه طرح في تشرين الثاني (نوفمبر) 2009 خطة تحايلية قوامها الإعلان عن دولة فلسطينية على مرحلتين، فينسحب الجيش الإسرائيلي في المرحلة الأولى "من مناطق" في الضفة الغربية، ثم تجري مفاوضات فلسطينية إسرائيلية، لمدة لا تتجاوز سنة واحدة، للتوصل الى الحل الدائم والإعلان عن "دولة فلسطينية مستقلة". ويكون التفاوض مع "حماس" مقبولاً على هذا الأساس، في حال فوزها مجدداً في الانتخابات. وبالطبع يؤكد موفاز في خطته، على بقاء الكتل الاستيطانية في الضفة، وعلى التمسك باحتلال القدس الشرقية!

الإسرائيليون اليهود، على مستوى رأيهم العام، أيدوا خطة موفاز في الاستطلاعات. وقال هو منتشياً: "لنذهب سريعاً الى الحل. إن نتنياهو يسعى الى جعل العالم منشغلاً بالموضوع الإيراني، لكي ينسى الموضوع الفلسطيني، بينما الوقت لا يعمل لصالحنا. فما نستطيع أن نتوصل اليه اليوم مع الفلسطينيين، يصعب أن نتوصل اليه غداً"!

في هذا الإطار، يتوقع المراقبون أن يحظى "كاديما" بمساعدة الأمريكيين من خلال مؤسسات في العلاقات العامة. ويقول موفاز نفسه تعليقاً على ضآلة شعبيته وفق الاستطلاعات:" ينبغي أن يتعرف عليّ الجمهور بشكل أقضل، وهذه مسألة وقت، وعندما يتعرف عليّ الجمهور، سيعرف كيف يهضمني"!

غير أن الطرف الذي لن يهضمه ولن يهضم سواه من الداعين الى ابتلاع القدس وإيقاء الاستيطان؛ فهو الطرف الفلسطيني الذي أبرم عقداً مع نفسه، أن لا يخل بثوابت الحل المتوازن، الذي ارتضاه الزعيم الخالد ياسر عرفات، والتزم به الرئيس محمود عباس ومن معه اليوم وأولئك الذين بعدهم غداً!