"أليكسا" تنتهي وتضاعف أزمات قطاع غزة

غزة- يوسف حماد

عادت السماء الى طبيعتها، ولكن الأرض ما زالت  تفيض بالماء على المنازل الخاوية بلا أصحابها التي جردتهم من كل شيء يربطهم بالحياة.

فبعيداً عن الصواريخ الإسرائيلية والغارات الجوية وطائرات الـF 16  وأزيزها، ضربت الطبيعة ضربتها لغزة بكل قسوة، فلم تعلم أنها قسمت ظهر الناس الخطأ، فانحسرت العاصفة الثلجية "أليكسا" خجولة متذيلة نهار الأحد في لوحة غزاوية فلسطينية.

انقشعت الغيوم وظهر ما تحتها من حجم المعاناة التي أدمت قلوب الناظرين وعيونهم، مشردين ولاجئين في غير وقت الحرب فقد وضعت الطبيعة أثقالها على أرض لا طاقة لها ولا حمل بما أصابها، فأودعت "اليكسا" مئات الأسر وآلاف الأفراد بالمدارس والمراكز الشرطية والصحية والصورة أكثر تأثيراً من مئات الكلمات.

مراكز ايواء كانت مدارس لأبنائهم، فأصبحت السبورة لوحة تذكير لمعاناة 4 أيام كانت مدرجة بأقسى التعابير حزناً وألماً.

تجولنا داخل مراكز الايواء والتقطنا  المعاناة التي مزجت البرد بالصقيع مع قلة الامكانيات وندرتها، في قطاع غزة الذي أنهك بالأزمات التي ما تلبث ان تعصف به من كل فج عميق.

حتى مع تعالي نداءات الاستغاثة التي صدحت بها مساجد قطاع غزة إلا أن سطوة الحزن رسمت على وجوه الجالسين وهم كثر، السيدة "ام حسين" بدت وكأنها في عقدها السادس لكن حسن الحياة غاب عن اسمها كثيراً للأسف في مدرسة أبو حسين التابعة لوكالة غوث و تشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، تشترك في الاسم ولكن المعنى متغيب تماما عن مثناهم في مخيم جباليا شمال قطاع غزة.

فرت أم حسين وعائلتها المكونة من 8 أفراد من موت زؤام فمنزلهم يقع قرب بركة "أبو راشد" مكان لتجمع مياه الصرف الصحي وسط المخيم والتي امتلأت فطافت على جيرانها الذين تحملوا رائحتها لسنين فأمست بهم الى قفص المعاناة في مدرسة ابو حسين.كما قالت

وتضيف:" كنت مساء الخميس أستمع الى أخبار المتضررين عبر التلفزيون وقالو انو منسوب البركة ارتفع.. ما اهتمينا كثير فجر الجمعة صحينا، إلا والمية بين رجلينا لحقنا حالنا وشردنا وسبنا كل شيء، واجت الشرطة والدفاع المدني وجابونا مغرقين على مدرسة أبو حسين وبعدها بدوا الناس يجو على المدرسة كثار، وزي ما انت شايف هلحين، واحنا بنستنى نروح عالدار ويخف الوضع (..)تعب وبرد بيقتل قتل".

الطفلة مرام صاحبة الـ(6 أعوام) تقول بعد سؤالها عن شعورها هنا :"فش حرب عشان احنا بنيجي هان لمن يكون في حرب، بس الجو برد كثير يمكن عروستي غرقت بدي أروح أشوفها لمن يخلص المطر ".

 وتضيف مرام صاحبة الشعر الأصفر والبراءة تشع من ثناياها:"احنا اجنيا عالمدرسة  في الليل عشان المي إجت علينا، ليش اجت مش صح هي ما بتجي عالناس" ومن لم يشهد حديث مرام الطفولي البريء خسر الكثير من رؤية المشاهد المشعة بالإنسانية.

قرابة الـ 500 فرد كانوا في مدرسة ابو حسين الواقعة في وسط مخيم جباليا للاجئين الفلسطينيين، والذي يعد الأكثر كثافة سكانية في العالم حسب المساحة، بدى عليهم التعب والبرد في اجواء صقيع ضربت قطاع غزة في موجة نادرة ويصعب الاعتياد عليها.

الشاب رامي (21عاما) يهُب لمساعدة كل من يحتاج المساعدة في المدرسة والأماكن المنكوبة ويقول :"جئنا هنا بمحض إرادتنا والواجب الانساني الذي يجب أن نحمله تجاه أي وضع يصيب شعبنا وبلدنا".

ويضيف رامي الذي يحمل شعار  "متطوعو الهلال الاحمر الفلسطيني" :" لقد وضعنا الكثير من المساعدات للذين يحتاجونها، وهذا يشعرك بالراحة الانسانية حيال ذلك لقد شعرت أني مفيد في هذا الوضع والحمد لله".

ضابط الدفاع المدني أبو أحمد والذي كان يحمل طفلاً صغيرا في يده يقول:"نحن هنا منذ 3 ايام ولم نذهب الى أبنائنا،  في البيت الوضع صعب للغاية نحاول تقديم المساعدة في ظل نقص كل الظروف والإمكانيات".

وعن المساعدات التي تصل قال الضابط الذي كان منشغلا بتقديمها:" الناس فيهم الخير قدموا الكثير من المواد الغذائية وبعض الفصائل والحكومة والهلال الأحمر أيضا، الوضع مسطر عليه(...) تمنينا أن تتضاعف المساعدات، والحمدلله تمت السيطرة على الامر في ظل نقص  كل شيء".

وتكاثر العديد من المواطنين والسيارات ذات الدفع الرباعي التي حملت الاغطية "البطانيات" ومعلبات ومواد تغذية وخبز للعائلات الفارة في مدرسة أبو حسين، ومدارس أخرى قريبة.

وأجبرت الأمطار الغزيرة التي شهدها قطاع غزة منذ أيام عدة مئات الفلسطينيين على مغادرة منازلهم والمبيت في بعض المشافي والمدارس بشكل مؤقت، فيما توفي شخصين على الأقل واصيب نحو 100 شخص في حوادث متفرقة بمحافظات القطاع.

وحسب وكيل وزارة الشئون الاجتماعية في الحكومة المقالة عمر الدربي، فإن" عدد الأسر المتضررة خلال أيام المنخفض الجوي الذي ضرب القطاع بلغ (1700) أسرة، وأن وزارته استطاعت نقل (902) أسرة لـ 16 مركز إيواء موزعة على المدارس بمحافظات القطاع".

وقال الدربي خلال برنامج إذاعي اليوم الأحد، "إن أكثر المناطق المتضررة في القطاع هي منطقة النفق بمدينة غزة التي تم إخلاء 226 أسرة منها".

ويذكر أن العاصفة الثلجية" اليكسا" التي ضربت منطقة الشرق الاوسط وضعت أوزارها صباح الأحد ولكن أجواء الصقيع ما زالت تحتفظ بنفسها في الأراضي الفلسطينية.

حرره: 
م.م