في معنى الدولة اليهودية
الدوحة: يضم كتاب "في معنى الدولة اليهودية" مجموعة مداخلات ندوة خاصة عقدها المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار)، تناولت موضوع "الدولة اليهودية" من جوانبه ودلالاته المتعددة، الظاهرة والخفية. وتتفق جميع المداخلات على أن تشديد تلك النخب على الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية من جانب الفلسطينيين في الخارج يهدف– من ضمن أشياء أخرى- إلى رفع سقف المطالبة الإسرائيلية إلى مستويات جديدة أقرب إلى التعجيز، وحسم جدل السياسيين داخل إسرائيل نفسها، وبالأساس مع فلسطينيي 48، وحسم مستقبل الصراع عبر استدراج الجانب الفلسطيني لقبول الرواية الصهيونية ولا سيما بشأن ما ارتكب بحقه في الماضي من آثام وتشريد وإقصاء.
وتكمن أهمية هذا الإصدار في تناوله مجموعة مفاهيم ما تزال شائكة ولم تحسم في إسرائيل، وتحديدا "الدولة اليهودية" و"دولة الشعب اليهودي" و"من هو اليهودي؟"، حيث يعالج مجموعة باحثين هذه القضايا من مختلف جوانبها.
وترى مديرة مركز مدار هنيدة غانم في مستهل الكتاب تحت عنوان "مقدمة في معنى دولة يهودية" أن صعود بنيامين نتنياهو إلى رئاسة الحكومة الإسرائيلية أعطى دفعة جديدة في اتجاه التأكيد على تحويل الاعتراف بيهودية إسرائيل إلى شرط أساسي لأي اتفاق مستقبلي.
وفي حين قابل الجانب الفلسطيني هذا الرد بالرفض– تضيف الباحثة- فقد تراوحت أسباب الرفض ما بين اعتبار الأمر شأنا داخليا إسرائيليا حينا، واعتباره ماسا بحقوق اللاجئين الفلسطينيين في إسرائيل حينا آخر.
وفي معرض تفريقها بين "الدولة اليهودية" و"دولة الشعب اليهودي"، تقول إن الأولى تشير إلى الطابع والهوية التي تطغى على الدولة وتصبغ صورتها العامة وتكون انعكاسا لهوية الجماعة وروحها الثقافية، في حين تشير الثانية بالدرجة الأولى إلى البعد الإثني (القومي) الذي يرتبط بشكل عضوي بالمركب الديمغرافي والسكاني للجماعة التي تسكن الدولة.
وتشير هنيدة غانم إلى إشكاليات تعريف "من هو اليهودي" وأن الصراع حول التعريف بدأ بعد إقامة إسرائيل العام 1948، "وفيما رأى التعريف الأرثوذكسي في اليهودية انتماء دينيا في الأساس فإن التعريف القومي حاول الذهاب بالتعريف نحو الانتماء الإثني والثقافي مع الاعتراف بالبعد الديني".
ويقول مدير مركز عدالة الحقوقي حسن جبارين في ورقته "المفهوم الدستوري للدولة اليهودية والديمقراطية"، إن معظم الأدبيات القانونية في إسرائيل -إن لم تكن جميعها- تنظر إلى النظام الدستوري المطبق داخل الخط الأخضر على أنه يشكل "الدولة اليهودية الديمقراطية" ويحدد معالمها.
ويضيف أن الأدبيات القانونية تتناول إسرائيل باعتبارها تتألف من نظامين قانونيين منفصلين: أحدهما قائم داخل الخط الأخضر حيث يسري مبدأ الدولة "اليهودية والديمقراطية"، والآخر خارج الخط الأخضر في الأراضي الفلسطينية المحتلة حيث تسري قوانين الاحتلال، وفي المقابل يستثني هذا الخطاب المواطنين الفلسطينيين المقدسيين ويقصيهم بمجموعهم من نطاقه.
ويخلص الباحث إلى أن النظام الدستوري الإسرائيلي لا يقبل القاعدة العامة التي تقضي بأن المواطنين قاطبة أحرار ومتساوون، وأنه تم تعطيل سيادة القانون والحماية الدستورية باسم السياسة الحكومية.
في البحث التالي "مطلب الدولة اليهودية من الجانبين التكتيكي-السياسي والفكري–الأيديولوجي"، يشير الكاتب الفلسطيني رائف رزيق إلى وجهين في الحديث عن مطلب الاعتراف بإسرائيل "كدولة يهودية" أو "كدولة اليهود"، مضيفا أنه يمكن الفصل بينهما نظريا، وإن كان بالإمكان ومن الضروري بعد ذلك محاولة الربط بينهما: الأول تكتيكي سياسي، والثاني فكري أيديولوجي.
وفي بحثه "الصهيونية الليبرالية والمنهج الدستوري المقارن ومشروع تطبيع إسرائيل"، يجري نمر سلطاني، من جامعة هارفرد، مراجعة نقدية لأحد أبرز الأمثلة في السنوات الأخيرة للدفاع عن مشروع الدولة "اليهودية والديمقراطية"، وتطبيع إسرائيل كدولة ديمقراطية، وهو كتاب ألكسندر يعقوبسون وأمنون روبنشتاين "إسرائيل وأسرة الأمم: الدولة القومية اليهودية وحقوق الإنسان".
ويجزم الباحث في ورقته بأن لدى الكاتبين مهمّة هي توفير دفاع منهجي وشامل عن إسرائيل باعتبارها دولة يهودية وديمقراطية، وليس باعتبارها حالة شاذة بين الدول الديمقراطية أي كديمقراطية من نوع خاص "ديمقراطية إثنية".
أما الأكاديمي الفلسطيني أحمد رفيق عوض فيرى في ورقته "الجماعة أعلى من الدولة! عن الدين والديمقراطية في إسرائيل"، أن أصل الجدل حول ديمقراطية إسرائيل ويهوديتها يعود إلى التطابق الكامل بين الدين والقومية فيها.
ويقول إن إسرائيل هي الوحيدة التي يتم فيها الانتماء إلى القومية ثم الحصول على المواطنة عبر تغيير الدين، مضيفا أن الصفوة في إسرائيل تدرك أن الديمقراطية الإسرائيلية في نهاية أمرها ما هي إلا نظام أثنوديمقراطي.
ويتابع أن النظام الإثني (وليس المدني) هو أساس توزيع الصالح المشترك أي الموارد والقوة، الأمر الذي يؤدي إلى نشوء مجتمع طبقي ونشوء طبقات إثنية.
الجزيرة نت