الضربة الأشد لـ"حزب الله" منذ اغتيال مغنية

بقلم: عاموس هرئيل
اغتيال حسان اللقيس، المسؤول الكبير في "حزب الله"، الذي قتل ليلة الاربعاء، في ما يبدو عملية اغتيال نقية ومهنية بشكل خاص في بيروت، هو الضربة العملياتية الأشد التي تلقتها المنظمة اللبنانية منذ موت عماد مغنية. مغنية، الذي وصف كرئيس أركان "حزب الله"، قتل في عملية تصفية في دمشق في نيسان 2008. واتهم "حزب الله" في حينه اسرائيل، التي امتنعت عن التعقيب. وأول من أمس ايضا اتهمت المنظمة اسرائيل بالمسؤولية عن اغتيال اللقيس.

اللقيس من قدامى القيادة التنفيذية لـ"حزب الله"، معروف لأجهزة الاستخبارات في الغرب منذ الثمانينيات. ووصفته رجال الاستخبارات في الماضي بانه "عقل لامع" ويؤدي في المنظمة الشيعية منصبا متداخلا، موازيا لمنظومة البحث والتطوير وقسم التكنولوجيا واللوجستيكا في الجيش الاسرائيلي. وقد كان مشاركا وضالعا في كل الاسرار التنفيذية للمنظمة – من شراء وتطوير الوسائل القتالية المتطورة، عبر تفعيل منظومات اتصال سرية وحتى الخطط العملياتية لـ"حزب الله". وينزع موته من المنظمة "مركز معلومات" بسبب التجربة التي راكمها والعلاقات المتفرعة التي أقامها مع أجهزة الاستخبارات السورية والإيرانية، والتي خدمت جيدا "حزب الله" على مدى قرابة ثلاثة عقود. وبفضل خبراته المهنية، عمل اللقيس خارج سلسلة القيادة العادية للمنظمة، ولكنه كان مقربا جدا من الامين العام، حسن نصرالله. ومثلما حصل له بعد تصفية مغنية، لا بد أن نصرالله قلق جدا الان بالنسبة لأمنه الشخصي تخوفاً من أن يكون ممكنا بأساليب مشابهة المس به هو نفسه ايضا.

اسرائيل، فضلا عن النفي العام وشبه التلقائي للناطق بلسان الخارجية، لم تعقب على ادعاءات لبنان. وهذا جزء من سياسة ثابتة، اساسها الحفاظ على "مساحة النفي" التي تستخدمها اسرائيل في السنوات الاخيرة بالنسبة لكل النشاطات التي تنسب لها في سورية ولبنان. وغياب بيان رسمي يخلق غموضا معينا لدى الطرف الخصم. والى جانب ذلك، فانه يسمح له بالامتناع عن الرد الفوري. هكذا كان ايضا عندما نسب لها اغتيال مغنية، قصف المنشأة النووية في سورية في 2007، وسلسلة ما لا يقل عن ست هجمات جوية على مخازن وقوافل سلاح في سورية في بداية السنة. وفي عدة حالات، ضمن امور اخرى، استنادا الى تسريبات مقصودة من الادارة الأميركية، نسبت وسائل الاعلام الاجنبية مع ذلك هذه الأعمال لإسرائيل.
في عدة حالات اخرى لم يلتصق الاشتباه بإسرائيل، رغم الاتهامات الصريحة من جانب "حزب الله" وايران. هكذا كان في سلسلة تفجيرات شديدة وقعت في الاشهر الاخيرة في بيروت، بما فيها العملية في السفارة الايرانية هناك وسيارات مفخخة تفجرت في الضاحية. يبدو أن وسائل الاعلام الاجنبية تفهم جيدا بان اسرائيل ستحذر من تنفيذ أعمال ذبح عديمة التمييز ضد المدنيين، بخلاف العملية العسكرية ذات الهدف المركز.

واذا كان الحديث يدور مع ذلك عن خطوة اسرائيلية يحتمل أن تكون هناك محاولة لاستغلال الاضطراب الكبير في لبنان الان – كأثر للحرب الاهلية الفتاكة في سورية – للمس بـ"حزب الله". ادعت شخصيات إيرانية، أول من أمس، بان الحديث يدور بشكل عام عن عمل عملية نفذها إرهابيون سنة، بتكليف من اسرائيل. في حرب الجميع ضد الجميع الجارية الان في سورية وفي لبنان، يوجد الان عالم من الظلال، ترتبط فيه معا عناصر مختلفة ومتنوعة. وفي المعارك الضارية التي وقعت في مدينة طرابلس في شمالي لبنان في بداية الاسبوع، بين ميليشيات علوية وشيعية وبين ميليشيات سنية قتل ما لا يقل عن عشرة اشخاص فيما فاجأ الامين العام لـ"حزب الله"، حسن نصرالله، في الايام الاخيرة بخطاب اثنى فيه بالذات على الرئيس الاميركي، براك اوباما، في أعقاب التسوية التي تحققت مع ايران.

اللقيس هو العنوان في الطرف الاخر لمساعي تهريب أسلحة متطورة من سورية الى "حزب الله"، والتي اعلنت اسرائيل في الماضي بانها ستعمل على احباطها. وهو نفسه كان هدفا لمحاولة اغتيال اسرائيلية في ذروة حرب لبنان الثانية. ولكن على الاقل حتى أول من أمس، كان من الصعب القول من وقف خلف الاغتيال الاخير. بعد ساعات قليلة من البيان حول موت اللقيس نشرت منظمة سنية متطرفة بيانا تحملت فيه المسؤولية عن الاغتيال. ولما كان كل شخص يملك معرفة أولية بالعربية واطلاعا على انظمة الانترنت ذات الصلة يمكنه أن يعرض نفسه اليوم كمنظمة سنية متطرفة، من الصعب أن نعرف ما هو مدى مصداقية هذا النشر.

وبالنسبة لـ"حزب الله"، لا شك في أنه اذا كانت المنظمة تعتقد بان الحديث يدور عن اسرائيل، فسيكون لها هنا حساب لتصفيه. يمكن الافتراض بان المصلحة الاساسية للمنظمة، بالامتناع عن مواجهة شاملة مع الجيش الاسرائيلي، بقيت على حالها. ولا تزال هناك امكانيات رد مفتوحة امامها الان – من محاولات ضرب اهداف اسرائيلية ويهودية في الخارج (اعمال إعدادها يستغرق زمنا) وحتى اطلاق الكاتيوشا على اسرائيل، تحت غطاء منظمة وهمية ما ودون أخذ المسؤولية الرسمية عن ذلك. لا يوجد للمنظمة الان مبرر للعمليات في الخارج: تخوف ايران من أن تشعل مثل هذه الافعال توترا متجددا مع الغرب يجعل من الصعب تطبيق الاتفاق المرحلي الذي تجد طهران نفسها معنية جدا به، بالنسبة للمشروع النووي.

حرره: 
م.م