سذاجة اسرائيلية!

بقلم: غابي أفيطال

قال حكماء اسرائيل إنه يوجد انسان يكسب عالمه في ساعة واحدة، لكن يوجد من يقولون إنه قد تستطيع أمة ايضا أن تكسب عالمها في ساعة واحدة. إن الثبات الصلب لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في شأن المشروع الذري الايراني يفترض أن يكون الوقت الذي تكسب فيه دولة عالمها في ساعة واحدة مستمرة.

إن الفحص عن تاريخ العلاقات بين اسرائيل والولايات المتحدة ولا سيما في سياق القضايا الذرية، يوجب أن نعود ونسأل لماذا يجب على اسرائيل أن تقوم وحدها في النضال لمواجهة حصول ايران على القدرة الذرية، ولماذا يجب علينا أن نجند حكماءنا الماضي لتسويغ الوضع ‘العجيب’ الذي توجد اسرائيل فيه.

يجب علينا لذلك أن نعود الى العقد الاول لدولة اسرائيل. ففي فترة أقل من عشر سنوات حصلت اسرائيل من الولايات المتحدة على قرض سنوي بمعدل 700 ألف دولار. وليس هذا ادعاءا، أي أن الولايات المتحدة في واقع الامر طبقت حظر سلاح على اسرائيل الفتية.

ما صلة هذا بأيامنا؟ إنك اذا سألت مواطنا عاديا ما هو إسهام الولايات المتحدة الرئيس لاسرائيل فسيقول فورا إن الولايات المتحدة تمنحنا مالا كثيرا وسلاحا. فكم تبلغ هذه المساعدة قياسا بالانتاج العام الخام؟ ستراوح الأجوبة في مجال عدد ذي خانتين بالنسبة المئوية.

‘حينما زادت قوة دولة اسرائيل عقب عملية سيناء، تذكر الامريكيون فجأة أن يرسلوا الى اسرائيل قروضا تزيد بخمسين ضعفا عما كان في الفترة السابقة. فلماذا؟ إنها ‘المصالح’ وهذا جواب شعبي لكنه عميق.

وبعد النصر اللامع في حرب الايام الستة فُتحت عيون الامريكيين واسعة مرة اخرى وقفز مبلغ القروض وكانت ما زالت قروضا بـ 11 ضعفا قياسا بالفترة التي سبقت الحرب. ويبقى الجواب الشعبي صحيحا وبقدر أكبر.

بعد حرب يوم الغفران، وبرغم رأي الخبراء أنها كانت فشلا عسكريا في ظاهر الامر، اتضحت صورة الشرق الاوسط وهي أن اسرائيل قوة اقليمية كبيرة. وآنذاك بدأت تتدفق الاموال الامريكية بصفة ‘هبة’ ايضا. إن اسرائيل ليست فقط قوة اقليمية كبيرة في نظر الولايات المتحدة بل هي كنز استراتيجي ايضا ولذلك ينبغي تثبيت مكانتها وذلك يكلف مالا.

إن الخطأ الأساسي في شأن ‘المساعدة’ الامريكية لاسرائيل ليس في المصطلح فقط بل فيما يصاحب ذلك في الأساس. استغلت الولايات المتحدة سذاجة قادة اسرائيل أو ربما حماقتهم لأنه لم يُجهد أحد نفسه ليُبين، طلبا للراحة على الأقل، أن الولايات المتحدة تنفق مساعدة خارجية باعتبارها جزءا من ميزانية الدولة لأجل شؤون مهمة حقا لامريكا.

ونفهم من هنا لماذا تضع الولايات المتحدة بعامة ووزراء خارجيتها بخاصة على طاولة التهديدات أمام اسرائيل مسألة ‘المساعدة’.
‘قرروا’، قالت وزيرة الخارجية الامريكية مادلين اولبرايت في نهاية القرن الماضي، ‘أنتم تتمتعون من دافع ضرائبنا ولا تستطيعون رفض ما نريده في شأن هضبة الجولان’. وأضافت ايضا: ‘لا يجوز لكم أن تحاولوا شراء طائرات إيرباص اوروبية، لأن المال على حسابنا’.
ولا يوجد كذب أكبر من ذلك. إن دولة اسرائيل تعتبر الى اليوم أكبر حاملة طائرات برية لامريكا. وفي حروبها الدامية وفي فترات الهدوء النسبي في اسرائيل ايضا نُقلت معلومات استخبارية عظيمة القيمة الى الولايات المتحدة دون أن يطرف جفن. ونُقلت اسلحة سوفييتية من الرادارات الى الطائرات الحربية والدبابات وغنائم اخرى في وضح النهار الى الولايات المتحدة دون أن يسأل أحد عن الثمن.

إن اسرائيل هي المروجة الأفضل في العالم للولايات المتحدة. وإن حقل تجارب كالحرب واستعمال سلاح غربي على مدنيين هو حلم الخبراء في الولايات المتحدة. ومن عارنا أنهم عرفوا السعر، لكن الساسة في اسرائيل لم يضعوا الحساب على الطاولة.

حان الوقت لنقول للولايات المتحدة إن الربط بين المال الذي يصل إلينا بحق وبين التفاوض السياسي أو الشؤون الذرية تضليل. ويمكن أن نقول ذلك بتلطف دبلوماسي لكن يمكن قطع هذه العقدة المؤربة ايضا بضربة واحدة بالسيف.

إن القوة العظمى التي تعامل حليفتها وكأنها دولة مرعية أو كأنها شيء تدوسه، ستنتهي الى أن تُخفق في رؤية واسعة لما يجري في العالم ولا سيما الشرق الاوسط. وهذا ما يحدث في واقع الامر على نحو مؤسف منذ مئة سنة.

حرره: 
م.م