الثورة السورية وسجال قاصر

adli_sadikkk

تتلعثم أبواق النظام السوري، على الرغم من طلاقة نيران دباباتها. فليست هناك مشكلة في سوريا، وفق محاججاتها، إلا قناتي "الجزيرة" و"العربية" وبينهما حمد بن خليفة أمير قطر. كأن القناتين، تأتيان بلقطات مصورة من كوكب المريخ، وتعرضاها على أنها قصف للبيوت في المدن السورية، ومشاهد دامية لأطفال ونساء غارقين في دمهم، وجثث تُرمى كأكياس القش من فوق سطوح المباني العالية!

ففيما نُشر حتى الآن، من رسائل البريد الإلكتروني الخاص ببشار الأسد، بدا واضحاً ما قلناه مراراً قبل سنوات، وهو أن سلطة الفرد رمت الدولة على سفحها. فالقرارات تؤخذ بموجب رسائل قصيرة من مجموعة مقربين ومقربات، لا يتجاوز عددهم عدد أصابع القدم الواحدة، مضافاً اليهم عنصر استخباري إيراني. فهؤلاء، هم الذين يغذّون عقلية الحاكم بمعطيات ينتج عنها قرارات كارثية. أما مؤسسات الدولة فلا وجود لها ولا تؤتمن على شىء. وبدا واضحاً، في هذه المرحلة، أن الرقابة المشددة، انتقلت من التركيز على المواطنين، الى التركيز على المسؤولين، وبخاصة أولئك الذين يتحدرون من الطائفة السُنية. وبات الغموض يلف مصير هؤلاء أو يحجب آراءهم ومشاعرهم، ولا بد أن كلاً منهم، يلتزم مهجعه، وينتظر أن يتضح مصير سوريا، ولن يكونوا في مأمن، لو أن النظام نجح في الإفلات من مصير أبشع مما ألحقه بسوريا والسوريين من أذى!

في الرسائل المنكشفة، ظهر واضحاً أن تظاهر النظام باحترام الدين، وبالتعاطف مع فلسطين، هو نوع من عِدة النصب التي ظل ينصح بها الناصحون المقربون، لأن هذا التظاهر، لا سيما الشق الفلسطيني منه، هو الذي أطال أمد النظام، لكن ثورة السوريين، كشفت زيف هذا التظاهر، عندما أمسكت إسرائيل تماماً عن إصدار أي تعليق ينم عن عداء للنظام أو عن انزعاج مما يتعرض له. العكس هو الصحيح، فقد صدرت إشارات قلق إسرائيلي من احتمالات تبدل الأوضاع في سوريا، كان آخرها ما قاله شمعون بيرس صراحة، في محاضرة له في الجليل، وقوامه التنبيه الى خطر قادم على منطقة الجليل في حال انهيار النظام السوري!

الساذجون وحدهم، هم الذين ظلوا يرددون بشكل ببغائي رواية النظام السوري، فيزعمون أن المشكلة تكمن في "الجزيرة" و"حمد" و"العربية" والسعودية. وهؤلاء لا يرون الجفاء الاستعماري حيال الشعب السوري، ولا يرون الاستهتار بدم السوريين من قبل المحافل الدولية، إذ يعالج المتنفذون الدوليون، مأساة سوريا وفظائع النظام، ببيانات وتصريحات تبدأ بذر الرماد في العيون وتنتهي بالتركيز على المحاذير وعلى صعوبة وقف المجازر!

والنظام من جانبه، فجّر العبوات القاتلة، لكي يتهم "القاعدة" لرفع وتيرة الخوف من انتصار إرادة الشعب السوري. وبعض الناصحين، من أصدقاء النظام، ومن بينهم إيرانيون وسوريون، انزعجوا من الاتهام الغبي لتنظيم "القاعدة" لأن هكذا اتهام ربما يأتي بنتائج عكسية، إذ سيسارع السلبيون مع ثورة السوريين الى إغاثتها لتلافي تفشي "القاعدة" لأن هذه الأخيرة كالسرطان ليس له علاج ولا يُهزم، ويُستحسن محاصرته في بداياته لكي لا ينتشر!

إن ثورة سوريا هي من صنع السوريين، وهي مشهودة ومسموعة وهادرة، ولا يفيد النظام إحالتها الى ظاهرة تلفزيونية، أو إحالة نفسه الى ظاهرة "كفاحية" يستهدفها المستعمرون!