صفقات مع أعداء الماضي

بقلم: زلمان شوفال

كتب صديقي أوري اليتسور في تلخيصه للتفاوض في جنيف أن اوباما ‘فشل حقا’ وأنه ‘يقوم بحماقات’. هذا في الحقيقة تفسير ممكن واحد، لكن يوجد تفسير آخر أكثر إقلاقا وهو أن ما تم الاتفاق عليه هناك هو في الحقيقة ما أرادت الادارة الامريكية أن تحرزه من البداية وهو مرحلة اولى في اتفاق شامل جديد بين الولايات المتحدة وايران يتجاوز الشأن الذري؛ تكون واشنطن على أثره مستعدة لمنح طهران مكانة خاصة في الشرق الاوسط حتى على حساب ‘العلاقات المميزة’ بشريكاتها القديمات: السعودية وامارات النفط والاردن.

برغم أن وضع اسرائيل مختلف من جهات كثيرة فانها لا تستطيع بالطبع أن تنظر في سكون نفس في احتمال اتفاق جغرافي سياسي واستراتيجي من هذا النوع. وليس من الممكن أن نتجاهل امكانية أن التسهيلات التي مُنحت لايران وتشمل مسألة تخصيب اليورانيوم، تشهد على نية امريكا أن تنشيء منظومة تفاهمات أوسع مع طهران.

وقد كتب في هذه الايام مارك لندلر في صحيفة ‘نيويورك تايمز′ يقول: ‘أصبح تغيير النظام في ايران بل في سوريا مسألة الأمس؛ وأصبح إتمام هو الطريق منذ الآن’.

لولا أن نتنياهو عبر بالحزم والوضوح المطلوبين عن انتقاده للاتفاق لحظي في شبه يقين بدعم اعلامي وعام أكبر. ونقول بالمناسبة إنه اذا كان أكثر وسائل الاعلام الامريكية قد باركت الاتفاق في البدء فانه تُسمع في الايام الاخيرة ايضا أصوات أكثر تحفظا. إن الخط الرئيس الذي تنتهجه الادارة لتسويغ اجراءاتها هو ‘منعنا حربا’ و’الدبلوماسية أفضل من الحرب’. ولا مُخالِف عن ذلك بالطبع حتى في اسرائيل. لكن السؤال هو ماذا كان بالضبط هدف واشنطن باجراءاتها الدبلوماسية التي تشمل القناة السورية التي كُشف عنها في المدة الاخيرة: أن تصد بصورة مطلقة سباق ايران نحو القنبلة الذرية أم أن تحاول تبطئته وأن تحرز مع ذلك انجازات سياسية في مجالات اخرى؟ تزعم الادارة الامريكية بحماسة في الحقيقة أن الحديث عن اتفاق لمنع تهديد أمني واضح محدد لا غير، لكن محللين كثيرين يعتقدون أن الحديث عن جُهد امريكي للتوصل الى شراكة في أمور أوسع ومنها سوريا وافغانستان والعراق وما أشبه. ولا يُبدي الايرانيون اشارات الى أنهم متحمسون للاستجابة الى المراودة الامريكية في هذه المرحلة، لكن هذا التوجه قد يتغير اذا أصبح الثمن والعوض ملائمين لهم.

إن واشنطن على كل حال، كما كتب المحلل روجر كوهين، ‘مستعدة لأن تعيد رسم الخريطة الاستراتيجية للشرق الاوسط’، وهي خريطة ستتبوأ ايران فيها مكانة متفقا عليها. ومن المبالغ فيه أن نتحدث عن حلف حقيقي بين امريكا ودولة ارهاب كايران، لكن لا ينبغي أن نُخرج من دائرة الامكان أنه قد ينشأ عن ذلك أكثر من تفاهمات نقطية.

يبدو اذا أن اسرائيل قد تجد نفسها في السنوات القادمة في واقع جغرافي سياسي جديد مقلق يجب الاستعداد له في أكثر من صعيد واحد، وعلاقاتنا المميزة بالولايات المتحدة من العناصر الرئيسة في هذه القضية. إن قدرة اسرائيل على التأثير في اجراءات الادارة الامريكية في ضوء المزاج العام الذي يسيطر عليها اليوم، ليست كبيرة لكنها ليست بلا أمل كليا.

ونحن نرى أنه لا بديل عن الولايات المتحدة ومن المؤكد أنه لا أحد ‘يعلن الحرب عليها’، لكن هذه الصلة المميزة خاصة بيننا تُمكننا احيانا من أن نخالفها وأن نتفق على ألا نتفق، بل أن نحاول اقناعها بطرق مختلفة ويشمل ذلك استخدام مجلس النواب ووسائل الاعلام والرأي العام. لن نتفق على الامور دائما وسنضطر احيانا الى التصالح على مواقفنا، لكن هذه هي طبيعة الحلف.‘

اسرائيل اليوم