حان وقت العقوبات

بقلم: جدعون ليفي

”يتبين أن العقوبات الدولية تنجح، وأن القطيعة وسيلة ناجعة لا مثيل لها بل هي مشروعة، بل لقد اعترف رئيس وزراء اسرائيل بذلك، فقد دعا العالم الى عدم تخفيف العقوبات على طهران بل الى تشديدها، وعلى أثره تعمل ايضا مجموعة الضغط اليهودية الصارخة في الولايات المتحدة. فاذا كان الامر كذلك فان درس العالم واضح وهو أن هذه هي الطريق لمعاملة الدول العاصية لا ايرانوحدها بل دولة اخرى ايضا لا تطيع قرارات المجتمع الدولي.

إن قرار التوقيع على مشروع ‘هورايزون 2020′ بالشروط التي أملاها الاتحاد الاوروبي هو البرهان الناصع على أن اسرائيل المنتصبة القامة نجع فيها التهديد بالقطيعة. ولا يمكن الطمس على الحقيقة وهي أن اسرائيل بموافقتها على التوقيع ساعدت على القطيعة الدولية الرسمية الاولى مع المستوطنات. ولا توجد أية طريقة اخرى لعرض ذلك حتى لو ضُم الى الموافقة ما لا نهاية له من رسائل الاحتجاج. فقد قبلت اسرائيل التي تسن قوانين آثمة تعارض الدعوة الى القطيعة، قبلت شروط القطيعة. واستسلمت لها في اللحظة التي بدأت فيها تؤثر في جيوبها.
‘الحديث الى الآن عن النذير الأول وعن عقوبة محدودة. أدارت الوزيرة تسيبي لفني التفاوض في شروط الاتفاق وهي التي يقع مكتبها في قلب شرقي القدس المحتل، لكن الاتحاد الاوروبي لسبب ما لم يقطع معها بسبب ذلك. إن التفاوض في عدم تحويل اموال تنتقل الى المستوطنات يجري مع وزيرة غُرس مكتبها بحسب موقف العالم كله في قلب الارض المحتلة في شارع صلاح الدين.

إن هذا التناقض كشف عن تلون القطيعة المحدودة في المستوطنات فقط: لأنه لا توجد منظمة أو مؤسسة أو سلطة اسرائيلية ليس لها موطيء قدم وراء الخط الاخضر. ولا يوجد بنك أو جامعة أو شبكة حوانيت أو مؤسسة طبية ليست لها فروع أو عمال أو زبائن بين المستوطنين. فالمستوطنات مشروع اسرائيلي عام ولا يمكن تحديد القطيعة فيها فقط كما لا يمكن بالضبط تحديد القطيعة مع جنوب افريقيا في مؤسسات الفصل العنصري فقط. فقد كان كل شيء هناك فصلا عنصريا وكل شيء هنا موبوء بالاحتلال. فاسرائيل تنفق على المستوطنات وتحميها وترعاها ولهذا فان اسرائيل كلها مسؤولة عن وجودها. فليس من العدل القطيعة مع المستوطنين فقط لأننا جميعا مذنبون. وفي مقابل ذلك فان القطيعة مع اسرائيل كلها قد تنتقل الى الاعتراض على مجرد حقها في الوجود، ولا يريد أكثر العالم ذلك، وبحق. ولهذا يجب أن نفرح بالقطيعة المحدودة وإن تكن تعيبها الاخلاق المزدوجة واستخلاص دروسها.

إن النجاح الذي قد سُجل مع ايران يجب أن يصبح خريطة طريق العالم حينما يتجه الى انهاء الاحتلال الاسرائيلي أو انهاء سلب الفلسطينيين حقوقهم. والخطة واضحة: فبعد الفشل الثابت للجهود الدبلوماسية، وبعد عشرات السنين من ‘مسيرة السلام’ وهي الأطول في التاريخ، وبعد ما لا يحصى من ‘خطط السلام’ التي دُفنت في الدروج؛ وفي حين ما زالت اسرائيل مستمرة في البناء في المستوطنات بوحشية مخالفة موقف العالم، . وحينما يُشعر بها في اسرائيل، وحينها فقط، يجب عقد مؤتمر دولي في جنيف أو في القدس أو في اوسلو أو فيرام الله، يترجم فيه العالم العقوبات الاقتصادية الى انجازات سياسية. فقد نجح ذلك مع ايران وسينجح ايضا مع اسرائيل وسيمنع سفك الدماء. ولا داعي الى الاستمرار بعد في حفل الأقنعة الذي يسمى محادثات السلام فلم يعد أحد ينظر اليها بجدية سوى امريكي واحد هو جون كيري. وسيفهم هو ايضا آخر الامر أنه ما لم يدفع الاسرائيليون ثمنا عن الاحتلال أو ما بقوا عميانا عن ثمنه فليس هناك ما يدعوهم الى انهائه وهذه هي الحقيقة.

الحقيقة هي أن الحديث عن واقع مر لا يمكن أن يُفرح أي اسرائيلي. إن أكثر الاسرائيليين، مقطوعين عن الواقع الدولي، هم على يقين من أن الوضع الذي يعيش فيه شعبان جنبا الى جنب في وقت سُلب فيه أحدهما كل الحقوق وتمتع الثاني بكل الحقوق، يمكن أن يستمر الى الأبد. قد يكون هذا هو الانجاز التاريخي حقا للتفاوض مع ايران لأنه سيصبح ايقاظا للحسناء النائمة، اسرائيل.