الاسلام لا يحظر قيادة المرأة للسيارة

بقلم: د. ميرا تسوريف

مسيرة السائقات السعوديات الاربعة اللواتي تجرأن على الامساك بدفات سياراتهن والقيادة بأنفسهن دون مرافق رجل من رجال عائلاتهن رغم الحظر الصريح من عمل ذلك تستعرض بتوسع في وسائل الاعلام العربية والدولية. غير ان هذا الفعل مهما كان جريئا لا يشكل نقطة انعطاف في كفاح النساء السعوديات لتحسين مكانتهن في العائلة والمجتمع. كان هذا ما كتبته كاتبة الرأي السعوديةوجيهة الخويدر، وهي التي غامرت في 8 اذار 2008 ‘مغامرة اجتماعية’ جريئة جدا وهي تمسك بنفسها ووحدها دفة قيادة سيارتها وتقودها في طرق دولتها. ومن خلال هذا الاحتجاج سعت الخويدر الى أن تنقل الى وزير الداخلية السعودي في حينه مطلب النساء السعوديات بتحقيق حقهن في القيادة وقررت بان هذه ليست مسألة سياسية او دينية بل مسألة اجتماعية صرفة مضمونها تقييد حرية حركة النساء في المجال العام، وبالتالي تثبيت تعلقهن المطلق بالرجال. 
وبالفعل، لا يوجد اي حظر في الشريعة الاسلامية على المرأة في أن تقود سيارتها. ويتناول الانشغال المهووس لرجال الدين السعوديين في مسألة قيادة النساء للسيارات في مقالاته كاتب الرأي السعودي ناصر بن صالح الجربوع، والذي يرفع استجوابه لرجال الدين الذين يحظرون على النساء السياقة بهذه اللغة: ‘متى حظر الاسلام على النساء التحرك من مكان الى مكان بأي مركبة؟ هل النساء في عهد الصحابة كن يتصورن طلب الاذن الشرعي لامتطاء الجمال؟’ وبمجرد سؤاله يسخر الجربوع من ‘رجال الدين السعوديين اولئك الذين يرفضون بشدة شدة السماح للنساء في المملكة بالسياقة. 
الخويدر، كما تجدر الاشارة، لم ترى في الكفاح لتحقيق حق النساء في القيادة الهدف الاسمى. بالنسبة لها، كان هذا جزء من كفاح شامل من أجل حقوق النساء، طلقة البدء فيه كانت بالذات مسيرة خاضتها في 4 آب 2006 على الجسر الذي يربط بين السعودية والبحرين وهي ترفع يافطة كتب عليها: ‘اعطِ النساء حقوقهن’. التوجه في اليافطة التي رفعتها الخويدر كان للملك عبدالله وكان هدفه انعاش ذاكرته بالنسبة لوعده في يوم تتويجه والذي تعهد فيه بالحرص على تحسين مكانة النساء السعوديات في المستويات الشخصية والمهنية. 
مسيرة الاحتجاج هذه انتهت باعتقال الخويدر. ولكن الاعتقالات المتتالية، وكذا المحظورات على نشر مقالاتها في الصحف السعودية لم تضعف الخويدر. أحد الادلة على ذلك كان مقالا جريئا نشرته في 29 تشرين الاول 2010 في الموقع الليبرالي ‘آفاق’ تحت عنوان: ‘المرأة السعودية ثديان بلا جسد وبلا روح’، وذلك في أعقاب حملة اعلامية تمت في السعودية بمبادرة السلطات لتعميق وعي النساء لمكافحة سرطان الثدي. في مقالها وقفت الخويدر عند الصلة التي بين اوضاع القلق والتوتر الدائمة التي تعيشها النساء السعوديات وبين نسبة المرض العالية التي تصاب بها النساء بسرطان الثدي. وهي تحصي واحدا واحدا حقوق الانسان والمواطن التي لا تتمتع بها النساء السعوديات وترى في ذلك العامل الاساس لصحتهن العليلة. 
الكفاح الطليعي الذي تخوضه الخويدر شجع نساء اخريات في السعودية لاجتياز حاجز الخوف، خرق صمتهن والكفاح في سبيل حقوقهن. هذه المرة كانت هذه منال الشريف ابنة 32 سنة التي تجرأت في تشرين الاول 2011 على السياقة بنفسها في شوارع الرياض. ومن اجل رفع مستوى الوعي في الموضوع، استخدمت الشريف الشبكات الاجتماعية ورفعت الى صفحة الفيسبوك خاصتها فيلما قصيرا توثق فيه اختبار السياقة التي اجتازته وهو يترافق والدعوة اعلموني السياقة كي أتمكن من السياقة بنفسيب. احتجاجها الفردي جعل احتجاج النساء السعوديات اللواتي هن من مجموعة
women2drive، والتي دعت بواسطة الشبكات الاجتماعية النساء السعوديات اللواتي يحملن رخص سياقة بالخروج الى طرق الرياض والسياقة ببساطة. الشرطة، بأوامر من فوق، قررت هذه المرة عدم التدخل وفي ختام الاحتجاج لم تعتقل اي من النساء. 
جولة الاحتجاج الحالية من أجل سياقة النساء هي بالتالي الثالثة في عددها. هذه المرة أيضا نشرت دعوة ‘دعونا نسوق’ على صفحة الفيسبوك التي حملت عنوان ‘حملة الـ 26 من تشرين الاول’. غير أن هذه المرة تلخص الاحتجاج بسياقة بعض النساء فقط ممن استجابوا للدعوة وبالمقابل تجند نحو 150 امرأة لاحتجاج في اطاره دعيت النساء السعوديات الى التركيز على ‘الاحتياجات الحقيقية’ للنساء في المملكة بما في ذلك: المواصلات العامة الآمنة للنساء، خلق اماكن عمل تحمي كرامة النساء وتحسين مكانة النساء المطلقات، العزباوات والارامل.
ولكن الانجازات الهامة للنساء السعوديات في العقد الاخير تتجاوز مسألة سياقة النساء، وهي تعبر أولا وقبل كل شيء عن طرح مسألة حقوق النساء على جدول الاعمال السعودي العام ووجود حوار حقوقي يقظ في المسألة يشارك فيه بعض من المثقفين، رجال الدين والسياسيين. ومع ان الحوار بادرت اليه النساء، الا أنه اجتذب اليه رجال شاركوا فيه مشاركة فاعلة. ومن ضمن النساء اللواتي ابدين شجاعة تجدر الاشارة الى بروز الكاتبة رجاء الصانع، في كتابها ‘بنات الرياض’ الذي يعنى بمكانة النساء المطلقات في المجتمع السعودي، نشر في نيسان 2005. كتاب الصانع صدر عند نشر بحث عالم الاجتماع السعودي الذي يبحث في الحجوم المتزايدة لظاهرة الطلاق، بما في ذلك الطلاق السريع في المملكة (الذي يسمح للرجل بطلاق زوجته بمجرد لفظ الطلاق بالثلاثة ‘طالق، طالق، طالق’ وحرمانها من المهر الذي يشكل عمليا’ ضمانها الاقتصادي الوحيد وكذا نفقة أطفالها). ظهور كتاب ‘بنات الرياض’ هو حدث تأسيسي في التاريخ الاجتماعي والثقافي السعودي وذلك لانه بمجرد الكتابة عن المسائل التي الصمت فيها جميل اجتازت الصانع حاجز الصمت والاسكات الذي فرضه المجتمع، منحت صوتا ومجالا للعديد من النساء المطلقات وسمحت لجمهو قرائها بالوعي بمشاكلهن. 
‘وما لايقل ثورية أيضاً هو الانتاج السينمائي النسائي السعودي الاول (‘انا موجودة’) والذي عرض في 2013 من اخراج هيفاء المنصور. وركز الفيلم على طفلة فتاة سعودية وحلمها البريء بركب الدراجة الهوائية بينما في السعودية هذا أمر محظور على البنات. وتتابع القصة مساعي كثيرة لتوفير المال لغرض شراء دراجة لنفسها وتحقيق حلمها. وهكذا يتعرف المشاهدون على العالم الضيق والمحدود لنساء الطبقة الوسطى في السعودي. ورغم أن هذا فيلم يروي قصة فانه يشكل بقدر كبير وثيقة اجتماعية ثقافية تتعلق بالنوع الاجتماعي تعبر عن انتقاد المخرجة للمؤسسة الابوية السعودية. ومع ان هيفاء المنصور تعرضت لتعابير وصفتها بـ ‘الكافرة’ وهي تتعرض صبح مساء بالتهديد على حياتها من مصادر محافظة، الا ان الفيلم اختير ليمثل السعودية في احتفال الاوسكار ضمن صنف الفيلم الاجنبي الافضل. 
في دولة كالسعودية، حيث لا توجد دور للسينما، فان الانتقاد الاجتماعي من خلال العدسة يشكل اختراقا ونيجته الفورية تظهر في مجرد قرار وزارة الداخلية السعودية السماح لنساء المملكة بركب الدراجة الهوائية شريطة ان يرافق الراكبة ولي، وأن تلبس العباءة والحجاب وتسير في شوارع جانبية بعيدا عن الجموع الرجولية. هذه القيود، التي تجعل ركوب الدراجة مهامة شبه متعذرة، تشكل ضمانة على استمرار الكفاح لالغاء هذه القيود.
لا يمكن ان نقرر بالقطع بان الطلائعيات السعوديات مثل رجال الصانع وهيفاء المنصور قد اخترقن بالفعل عبودية النوع الاجتماعي الذي تعيشه نساء السعودية او أن هذه مسيرة نشوء وارتقاء حظيت بالزخم فقط بفضل ثورات الربيع العربي التي اندلعت في 2011، والتي يخشى من تواصلها أيضا البيت الملكي السعودي. القرار التاريخي للملك عبدالله في ايلول 2011، السماح للنساء بالترشح والانتخاب للسلطات البلدية، حتى وان كان اتخذ انطلاقا من التخوف من أن يجترف احتجاج النساء ايضا احتجاج الاقلية الشيعية في السعودية، والتي بدأت تسمع مطالبها للحقوق السياسية والاجتماعية، فانه مثابة اختراق في كفاح النساء نحو المواطنة المتساوية. قرار سعودي آخر للملك عبدالله نشر في 11 كانون الثاني 2013 حين قرر تعيين 30 امرأة كاعضاء في مجلس الشورى. معنى القرار هو أنه من الآن فصاعدا سيكون من حق النساء تقديم ترشيحهن الى مجلس الشورى، المشاركة كاعضاء عاديات في مداولات المجلس والمشاركة النشطة في اتخاذ القرارات فيه.
وتجدر الاشارة الى أن القرار حظي بتأييد واسع في أوساط الرجال والنساء على حد سواء واثار خلافا بين رجال الدين. الانجاز السياسي الذي في مجرد مشاركة النساء في الحياة السياسية في السعودية، يجد تعبيره ايضا في أن النساء اللواتي انتخبن الى مجلس الشورى لا يجلسن على أكاليل النصر ولا يكتفين بالادوار التي حددت لهن. وهكذا مثلا احتجت عضو مجلس الشورى د. لبنى الانصاري، طبيبة عائلة في تأهيلها على تحديد معالجة العضوات في مجلس الشورى للمسائل المتعلقة بالنساء بينما في نيتها كعضو في المجلس ان تتناول المواضيع التي تتعلق بعموم السكان، من رجال ونساء على حد سواء، كالصحة وحقوق الانسان. 
السقف الزجاجي السياسي الذي اقتحمه هذان القراران، واللذان اديا الى مشاركة النساء في السياسة الرسمية والبلدية، أدى الى قرار اختراقي آخر يتعلق بوجه النوع الاجتماعي لسوق العمل السعودي. وهكذا مثلا اتخذ في 6 تشرين الاول 2013 قرار يسمح للنساء بالعمل بالمحاماة. هذه نتيجة كفاح طويل لنساء سعوديات في سبيل حقهن بالحصول على رخصة محاماة ابتداء من تشرين الثاني 2011 حين دشنت مجموعة من النساء السعوديات حملة على الفيسبوك والتويتر تحت عنوان ‘انا محامية’.
تمثيل النساء في المحاكم من قبل النساء، الضالعات في الشريعة، في القوانين وفي الانظمة، سيسمح للنساء السعوديات بالحصول على دفاع مناسب واكثر نزاهة من أجل حقوقهن.
وعلى الرغم من أن اربعة نساء فقط حصلن على الرخصة المنشودة حتى الان فلا ريب أن هذا قرار عيتضمن اعترافا بقدرة النساء على تمثيل جمهور عملائهن في ساحة المحكمة التي تعتبر حتى الان ساحة حصرية للرجال فقط. 
على الرغم من الانجازات الهائلة التي حققتها النساء السعويات حتى الان، فان المسيرة التي ستقودهن الى المساواة الكاملة في الحقوق هي مسيرة متطورة، بطيئة وعبثية، مسيرة ستتم في ظل التآكل المتواصل والزاحف للابوية الدينية، الاجتماعية، الاقتصادية والسياسية في السعودية.