التنازل الاسرائيلي مقابل التنازل الفلسطيني

بقلم: إيزي لبلار

إن حكومة اسرائيل مشغولة الآن بالمرحلة الثانية من المسار، وهو الافراج عن فلسطينيين. ومع ذلك لم نشهد الى الآن أية اشارات الى استعداد السلطة الفلسطينية الى التصالح على موضوعات ما، والتحريض علينا مستمر بلا انقطاع.

يتابع وزير الخارجية الامريكي جون كيري وقادة غربيون آخرون، رغم المشكلات الكبيرة التي تواجه الولايات المتحدة في ايران وفي الشرق الاوسط، على نحو سريالي محموم، بذل طاقة في استعمال الضغط على اسرائيل لتقوم بتنازلات. فقد أبلغ كيري رئيس الوزراء نتنياهو أنه اذا انتهت محادثات السلام الى ازمة فسيفضي ذلك الى حملة دولية ضخمة لسلب اسرائيل شرعيتها. ويمكن فقط أن نُخمن في خوف مضمون رسائل اخرى تُنقل الى اسرائيل كاشارات تقول، إن الولايات المتحدة ستمتنع أو ربما تؤيد في المستقبل تنديدات ومقاطعات مع اسرائيل في مجلس الامن.

وهناك ما هو أكثر إقلاقا، وهو الضغط الامريكي غير الاخلاقي الذي اضطر حكومتنا الى الموافقة على الافراج عن قتلة، وذلك ‘لرفع الروح المعنوية الفلسطينية’ و’تشجيعهم’ على المشاركة في المحادثات. ولم تُرغم قط في التاريخ دولة هزمت أعداءها الذين أرادوا تدميرها على القيام ‘ببادرة حسن نية’ مُذلة كهذه. وحقيقة أن هذا الطلب وقع قبل بدء التفاوض تُشكك في مسيرة السلام كلها وتجعل التصور الذي يرى أنه يجب علينا أن نقوم بتنازلات، انعطافة كبيرة.

لم تؤدي تنازلات اسرائيل قط الى نتائج ايجابية: لا اتفاقات اوسلو ولا الاقتراحات المنقطعة النظير لرئيسي الوزراء باراك واولمرت اخلاء كل المناطق المتنازع عليها تقريبا، ولا الانفصال عن قطاع غزة، وقد رفعت هذه التنازلات من طرف واحد المقادير، بحيث أصبح الامريكيون يقترحون الآن بالفعل أن تكون نقطة الانطلاق الى اتفاق السلام هي خطوط وقف اطلاق النار، التي لا يمكن الدفاع عنها في 1949 مع زيادة ‘تبادل اراض’.

اذا كان الرئيس اوباما قد نجح في أن يهزم اسرائيل الى درجة التخلي في هذا الشأن الحساس والمختلف فيه جدا، كالافراج عن فلسطينيين وهو شيء ما كان ليخطر ببال أية دولة ذات سيادة، ولا سيما امريكا، فان التنبؤات المتعلقة بنجاح مسيرة السلام تثير القشعريرة. إن تراجع نتنياهو أمام الضغط الامريكي سيجعل الاسرائيليين ينسون سريعا سيره الناجح على الحبل الدبلوماسي الدقيق مع اوباما، اثناء ولايته السابقة، ويثير تعبيرات عدم الثقة والدعوة الى استقالته.

لكن من السهل تفسيرها من المكان غير المعرض للضغوط التي استُعملت على نتنياهو، ومن المكان الذي لا يُحتاج فيه الى اتخاذ قرارات تؤثر في أمن الدولة. مطلوب التنديد بهذا التنازل، لكن من الممكن أن نقتنع في وقت ما في المستقبل حينما تظهر الحقائق بأنه لم يكن لقادتنا خيار.

لكن حتى لو اضطر رئيس الوزراء الى القيام بهذا التنازل الخطير من طرف واحد، فان مخاوفنا المتعلقة بالمحادثات السرية التي ستُجرى في الاشهر التسعة القريبة، ما زالت على حق. ستُجري وزيرة القضاء تسيبي ليفني المحادثات من الجانب الاسرائيلي، وهي التي وصفت الافراج عن السجناء بأنه ‘خطوة شجاعة’. وقد يستسلم نتنياهو من دون ضغط عام كبير للامريكيين، وقد نواجه آخر الامر حقيقة منتهية هي سيناريو ‘كل شيء أو لا شيء’.

يجب أن ننشر على الملأ حقيقة أن الفلسطينيين بعد أن فشلوا في ضعضعة صمودنا باستخدام الارهاب والعنف، أصبحوا يطمحون الى نقض عُرانا على مراحل بوسائل دبلوماسية. فيجب علينا أن نُبين أننا لسنا مثل تشيكوسلوفاكيا، وأنه يوجد حد لاستعدادنا للتصالح في هذا المحيط غير المتكافئ، ويجب على حكومتنا أن تؤكد أنه في حين يُخلص أكثر الاسرائيليين للدفع بالسلام قدما، يجب على جيراننا أن يكفوا عن التحريض علينا.

لن نراهن على حياة أبنائنا بالمصالحة على الحاجات الامنية في وقت تسيطر فيه حماس على نصف السكان الفلسطينيين. وعلينا أن ندعو اصدقاءنا وحلفاءنا، ولا سيما القادة اليهود الامريكيين، الى أن يطلبوا من الولايات المتحدة أن تواجه الفلسطينيين في الشؤون الحيوية التي تمنع مسار سلام حقيقيا وهي: الاعتراف بالدولة اليهودية، والتخلي عن حق العودة العربي، وانهاء الدعاية الداخلية المعادية للسامية والمعادية لاسرائيل، وتربية ناسهم على التعايش والسلام.

حرره: 
م . ع