يقدرون في اسرائيل أن الولايات المتحدة تنصتت عليها

بقلم: عاموس هرئيل

غاب اسم اسرائيل الى الآن عن قائمة الدول الصديقة، التي تبين لها مؤخرا بما فاجأها أن الولايات المتحدة تنصتت على أحاديث زعمائها. وأفادت صحيفة ‘الغارديان’ البريطانية في الاسبوع الماضي، بأن قائمة المتضررات من التنصت تشمل 35 دولة. لكنها لم تعُد الجميع. ويطلب عدد من الدول المتضررة ومنها المانيا وفرنسا والبرازيل الآن في حزم توضيحات من واشنطن، على أثر الكشف عن وثائق الوكالة الامريكية للامن القومي (إن.إس.إي) على يد المُسرب ادوارد سنودن. والى الآن تُذكر اسرائيل من الجهة العكسية فقط بصفتها شريكة محتملة للامريكيين في مهمات تجسس على اصدقاء، كما في الخبر الذي نُشر أول أمس في الصحيفة الفرنسية ‘لوموند’، التي تتهم بصورة غير مباشرة وبالاعتماد على تخمينات بالاشارة الخفية جدا الموساد بمشاركة في مراقبة قصر الأليزيه.

قال رئيس الموساد السابق، داني يتوم، أول أمس لصحيفة ‘معاريف’ إن الامريكيين يتنصتون على اسرائيل ايضا. وهذا فرض (وهو بحسب يتوم معلومة)، مشترك ايضا بين مسؤولين كبار آخرين في الأذرع الاستخبارية الاسرائيلية ووزراء في الحكومة، في ولاية بنيامين نتنياهو الحالية وفي حكومات سابقة. وإن اسئلة نتنياهو وارييل شارون الكثيرة في محاولة استيضاح أيتحدث المتحدثون إليهما ‘بخطوط أو بسلكي أو بلاسلكي’، كما اعتاد كلاهما أن يصوغ ذلك، نبعت في الأساس من هذا التقدير الابتدائي، وهو أن الامريكيين يتابعون اذا أرادوا ما يجري هنا (ومن فرض ليس من الضروري أن يكون مؤسسا على حقيقة، أن الهاتف السلكي أكثر حصانة من التنصت اذا قيس بالهاتف المحمول).

ويعبر وزراء الحكومة أو مسؤولون كبار في جهاز الأمن أكثر من مرة في أحاديث الى صحافيين في قضايا حساسة، عن خوف من التنصت. وهم على نحو عام غير قلقين من قسم تأمين المعلومات في الجيش الاسرائيلي وتحقيقات ‘الشاباك’ في التسريبات، أو حتى من الاستخبارات الايرانية. لأن المشتبه فيها الاولى هي الولايات المتحدة، في حين تأتي الاستخبارات الروسية في المكان الثاني.

إن التجسس بين الاصدقاء يُنظر إليه في اسرائيل على أنه حقيقة حياة، لا يمكن الهرب منها. وإن القوة العظمى قد تُبيح لنفسها ما يُحظر على دول صغيرة متعلقة بمساعدة القوة العظمى الدائمة. وإن القيادات الوحيدة التي تُرى الى الآن حصينة من التجسس، هي الدول الاربع التي للامريكيين معها اتفاقات تعاون استخباري (وحظر تجسس متبادل) من الطراز الاول: بريطانيا وكندا واستراليا ونيوزلندا.

وعلى هذه الخلفية فان من المفاجئ شيئا ما تزعزع مستشارة المانيا أنجيلا ميركل ورئيس فرنسا فرانسوا هولاند. أفلم يخطر ببالهما أن يتنصت الامريكيون عليهما؟ إن القيادة العليا للادارة الامريكية (ولم تُسمع الى الآن دعوى من الرئيس باراك اوباما تقول، إنه كأن لم يكن عالما بالتنصت) مكّنت من استمرار التنصت لسببين: لأنها كانت تملك القدرة التقنية، ولأنها ظنت كما يبدو أنها لن تُضبط. ومن المؤكد أن حلفاء الولايات المتحدة افترضوا أن للامريكيين قدرة كهذه. وكان خطؤهم أنهم آمنوا بأن ذلك سيستعمل في ارضهم لحاجات ‘مشروعة’ فقط، كالعثور على ارهابيين أو نشاط جواسيس من دول عدوة. وتبين أن الامريكيين لم يقفوا هناك ولم يتخلوا عن الفرصة التي أتاحتها التقنية لهم.

إن سنودن والمُسرب المتسلسل الذي سبقه الجندي برادلي (وهو شيلسي اليوم) ماننغ الذي كان يقف وراء نقل وثائق ‘ويكيليكس′، كشفا عن توثيق محرج أكثر مما كشفا عن أسرار أمنية امريكية فظيعة. وكما لاحظ كُتاب مقالة نشرت في الاسبوع الماضي في المجلة الامريكية ‘فورن أفيرز′، يُشك في أن يكون سنودن وماننغ أحدثا ضررا أمنيا كبيرا بالولايات المتحدة، لكن امريكا الآن وقد كُشف عن نشاطها لم تعد تستطيع التظاهر بالسذاجة، لأن اصدقاءها يعلمون بالضبط ما الذي تفعله من وراء ظهورهم. لقد انتهى عهد النفاق.

حرره: 
م . ع