ابطال الحقيقة: من سنودن الى عنات كام

بقلم: جدعون ليفي

لو كانت مستشارة المانيا سياسية شجاعة حقا لدعت ادوارد سنودن ليجد ملجأ سياسيا في بلدها، ولغمرته بالتكريم والتشريف. وهكذا كان يجب أن يسلك نظيرها رئيس فرنسا ايضا. كان يجب على أنجيلا ميركل وفرانسوا هولاند أن يشكرا سنودن، وهو الشخص الذي كشف عن نظام التنصت الوقح الذي تقوم به الولايات المتحدة في بلديهما. لكن سنودن مختبئ في روسيا. والمانيا وفرنسا غاضبتان على الولايات المتحدة بسبب ما كشف عنه سنودن، لكن زعيمي الدولتين غير شجاعين بقدر كاف لمنحه التكريم واللجوء الذي يستحقه، إن سنودن منبوذ مطارد.

ومثله ايضا جوليان أسانج، مؤسس ‘ويكيليكس′، وتشيلسي ماننغ مُسربة وثائق الجيش الاسرائيلي. فأسانج يختبئ منذ حزيران/يونيو 2012 في سفارة الاكوادور في لندن، بسبب أمر اعتقال دولي صدر بحقه بشبهة مخالفات جنسية قام بها في السويد، وحُكم على ماننغ بـ35 سنة سجن.

إن هؤلاء الثلاثة هم أبطال هذا العصر الذين سيعرف وزير التاريخ وحده مكافأتهم وتقديرهم كما ينبغي: ومن المؤكد أنهم سيُتذكرون أكثر من ميركل وهولاند. إنهم ثلاثة شباب مجهولون استقر رأيهم على ألا يسكتوا؛ وهم ثلاثة شباب مجهولون استقر رأيهم على أن يفعلوا فعلا ما، فنقضوا قوانين دولهم وفعلوا ذلك بسبب شعورهم المتطور بالعدل وبسبب شجاعتهم، فنُبذوا باعتبارهم خونة وحُكم عليهم بالمطاردة. إن التاريخ مليء بأعمال بطولة مشابهة لا تقل عنها مطاردات الأفراد الذين لم يسكتوا والذين يعتبرون أبطالا اذا نظرنا الى الوراء فقط.

إن مردخاي فعنونو وعنات كام الاسرائيليين ايضا تشتمل عليهما قائمة أبطال الحقيقة هذه. وقد تم التشهير بهما ونُبذا واعتُقلا، ولا يُقدر أحد هنا ايضا خدمتهما وشجاعتهما كما ينبغي. ومثلهما ايضا إيلانا هيمرمان ورفيقاتها في منظمة ‘لا نُطيع′ اللاتي يُهربن فلسطينيين الى تل ابيب، وقد يُحاكمن على ذلك. إن الشيء المشترك بينهم جميعا هو الباعث العقائدي العميق على أفعالهم وشجاعتهم. ‘لا أريد أن أعيش في مجتمع يفعل هذه الافعال. ولا أريد أن أعيش في عالم يُسجل فيه كل ما أفعله أو أقوله’، قال سنودن. ‘كانت هناك جوانب في عمل الجيش الاسرائيلي في المناطق اعتقدت أنه ينبغي أن يعلم الجمهور بها. واعتقدت أنهم يغفرون في امتحان التاريخ لأناس حذروا من جرائم حرب’، قالت كام في محاكمتها.

لولا سنودن لما عرفت ميركل أن الأخ الامريكي الأكبر يتنصت على هاتفها المحمول، ولما علمت المانيا بأن حليفتها الكبرى تعاملها هذه المعاملة. ولولا ماننغ لما عرف الامريكيون بأعمال قتل جيشهم في العراق. ولولا أسانج لما عرف مواطنو العالم بأفعال الدبلوماسية الدولية، ولولا كام لربما لم يعرف الاسرائيليون كيف يرسل الجيش الاسرائيلي وحدات موت لعمليات تصفية. إننا نعرف أكثر بفضلهم وربما يتوقف بفضلهم على الأقل جزء من الافعال التي كشفوا عنها. فأمريكا لن تتنصت على ميركل بعد الآن وسيكون الجنرالات والدبلوماسيون أكثر حذرا في كلامهم وأفعالهم.

لا اعتراض على أنه لكل دولة الحق في الحفاظ على اشياء ما بعيدا عن نظر الجمهور. ولا يمكن أن تكون الجنايات القانونية وجرائم الحرب على أية حال من الاحوال جزءا منها. خالفت صحيفة ‘حدشوت’ ومصورها اليكس لبيك في حينه القانون، حينما نشر صورة المخرب الحي من خط 300، بل عوقبا على ذلك. لكنه لا جدل اليوم في إسهامهما في تنظيف أقبية ‘الشاباك’ والقضاء على ظواهر مشابهة لقتل وافتراء وكذب في المنظمة. ولولا أنهما خالفا القانون ونشرا لكان عند دولة اسرائيل ‘شاباك’ أكثر فسادا وخطرا مما يوجد عندها اليوم. ويصح هذا ايضا على أفعال سائر أبطال هذه الفترة الذين ما زالوا يُصورون في نظر كثيرين بأنهم خونة. ليسوا هم الخونة، بل المسؤولون عن الافعال، الذين كشفوا عنهم.

يحاول المخرج يوآف شمير في فيلمه الساحر ’10 بالمئة ما الذي يجعل انسانا بطلا’ الذي يُعرض الآن، يحاول أن يواجه سؤال من هو البطل. وليس من العجب أن ظهر فيه في جملة من ظهر الطيار الرافض يونتان شبيرا الذي هو أشجع من كل رفاقه الطيارين. وقد يأتي يوم يعترف فيه الاسرائيليون ايضا بذلك.

حرره: 
م . ع