السعودية تلمح الى رغبتها في الانفصال عن امريكا

بقلم: نداف ايال

‘هذا النبأ كان دراماتيكيا، وان لم يبدو كذلك: يوم الثلاثاء من هذا الاسبوع أفادت رويترز في نبأ طويل ومفصل بان السعودية تهدد بان تغير بشكل استراتيجي علاقاتها مع الولايات المتحدة. واقتبست في النبأ لقاءات الامير بندر بن سلطان مع دبلوماسيين اوروبيين: ‘امريكا فشلت حيال الاسد، فشلت حيال طهران وفشلت في دفع المسيرة السلمية الاسرائيلية الفلسطينية الى الامام’. وقالت مصادر سعودية ان الدولة ستتخذ خطوات تتعلق بتجارة النفط وصفقات السلاح. كان هذا بعد بضعة ايام من رفض السعودية، في خطوة غير مسبوقة، المكان الذي خصص لها لسنتين في مجلس أمن الامم المتحدة ـ فعل احتجاجي ضد الاسرة الدولية وبالاساس ضد واشنطن. كلمات قاسية من دولة تحت مظلة الحماية الامريكية، مؤشر على أزمة خطيرة للغاية بين السعودية والولايات المتحدة منذ 11/9، واكثر من ذلك: كلمات تشير الى تغيير كبير آخذ في التحقق امام ناظرينا.

‘منذ عقد تقريبا، وبالاساس منذ بدء الحرب الاهلية في سورية، والشرق الاوسط منقسم ومنشق في محور واضح جدا. من جهة يقف الهلال الشيعي الذي يقع من ايران، عبر الاغلبية الشيعية في العراق، يمر عبر النظام السوري العلوي الذي عقد تحالف المنبوذين مع الشيعة، وانتهاء بحزب الله في لبنان. ومن الجهة الاخرى، يقف السُنة، الاغلبية المطلقة في الاسلام. السعودية، دول الخليج، مصر، الثوار السوريون وبالطبع منظماتهم المتطرفة بما فيها القاعدة.

بين هذين المحورين واضح أين تلعب اسرائيل. صحيح أن المحافل السنية المتطرفة اسوأ بكثير من الجمهورية الاسلامية، الا ان تطوير السلاح النووي في ايران وتهديد حزب الله في الشمال وضعا اسرائيل في موقف تكون فيه حليفة، هادئة ولكن ليس خفية، للحلف السني. تعاون سري مع دول الخليج والسعودية في الصراع مع ايران؛ محاولة لاضعاف سورية الاسد كي تنهار، وهكذا يتحطم التواصل الجغرافي الشيعي وحزب الله يضعف جوهريا. الخيار الاسرائيلي هو بالطبع ليس حلفا حقيقيا. فالسعوديون مولوا حماس؛ منظمات الثوار في سورية يستهدفون اسقاط الاسد ومواصلة المعركة في هضبة الجولان؛ ولكن حيال صد ايران نشأت شراكة مصالح نادرة ولمرة واحدة، يتمكن فيها مصريون، سعوديون، سوريون واردنيون من تنسيق خطواتهم مع اسرائيل. وبالطبع هناك ميزة واحدة مهمة توجد للحلف السني الاسرائيلي، واسمها الولايات المتحدة الامريكية. فالحلف الامريكي مع الرياض طويل ومتماسك، والحاجة الى صد ايران وبرنامجها النووي هو من أساسات عمل واشنطن في الشرق الاوسط. وبشكل مثير للاهتمام، فبالذات تحت ادارة اوباما تعاظمت كثافة العمل ضد ايران وحزب الله. وقد شعرت الجهتان بتهديد خاص مع اندلاع الحرب الاهلية السورية بصدام حاد ومكشوف بين الشيعة والطائفة العلوية وبين السنة. ولم يرغب الامريكيون الى الانجرار الى الحرب، ولكن مثل اسرائيل سرهم أن يروا انجذاب حزب الله الى معركة باهظة الثمن بالمال وبالدم.

وعليه، فان الصيغة الاساس في الشرق الاوسط، مثلما عرضت بثبات في السنوات الاخيرة كانت واضحة السُنة تدعمهم امريكا وبشراكة خفية مع اسرائيل، ضد الشيعة من لبنان وحتى طهران.

السطر الاخير هو ان الصيغة تنهار بسرعة. وانهيارها ينبع من اسباب عديدة: أولا، من النجاح النسبي لتآكل قوة ايران حزب الله في سورية النازفة. فالى جانب العقوبات، وجدت ايران نفسها تدير معركة على نطاق واسع في سورية، تكون فيها مكانتها الاقليمية على كفة الميزان، وفي حصار عملي بسبب نظام العقوبات الدولية. السياسة الامريكية الاسرائيلية للعزل والضغط على النظام الايراني نجحت واستوجبت تغييرات داخلية في الجمهورية الاسلامية؛ ووجدت هذه التغييرات تعبيرها في اعتدال تكتيكي مهم للغاية وفي صعود روحاني. وبالتوازي فان عدم قدرة الثوار السوريين والعالم السُني على تصفية الاسد أدت بأمريكا الى استنتاج مشوه تحطيم المحور الشيعي سيكون طويلا، باهظ الثمن، وربما اكثر خطرا مما كان متوقعا. فتطرف الثوار، وبعضهم اصوليون حتى أكثر من القاعدة (يتبين أن هذا ممكن)، أدى باصحاب القرار في واشنطن الى البرود في موقفهم من تغيير الحكم في سورية. الشعارات المبررة عن ذبح الابرياء الذي يقوم به الاسد في سورية، حلت محلها سياسة واقعية، امريكية كلاسيكية، باردة ومحسوبة. وهكذا اصبحت المذبحة الفظيعة التي ارتكبها الاسد بواسطة الغاز ‘فرصة دبلوماسية’ انتهت باتفاق لنزاع السلاح الكيميائي. ويستخدم هذا الاتفاق كمجمد اساس للحرب الاهلية، وبدأ يخلق شرخا عميقا بين الامريكيين وحلفائهم السُنة ولا سيما السعوديين، الذين صدموا بالاتفاقات مع النظام.

ولكن الاعتدال الكبير في ايران ـ وهو كبير حقا ـ هو الذي نجح في تفكيك الحلف. لقد توصل الايرانيون الى الاستنتاج، اغلب الظن، بانهم نجحوا في الوصول الى حافة النووي. وهم مستعدون لان يتوقفوا هناك. فعلى اي حال، مع كمية اجهزة الطرد المركزي وتطورها، يمكنهم أن يركضوا بسرعة شديدة نحو الانطلاق الى القنبلة. ويدير الايرانيون حوارا سريا مع الولايات المتحدة منذ اشهر طويلة، وعلى ما يبدو يدور الحديث عن اتصالات محددة تعنى بالبرنامج النووي. رغبتهم في الوصول الى اتفاق تتجسد مثلا في محاولتهم تسريع المفاوضات التي بدأت قبل اسبوعين في جنيف. حتى الان فعلت طهران كل ما في وسعها كي تبطئها.

حيال قصة الغرام هذه، ترتعد دول الخليج ويتميز السعوديون غضبا. وقد نقل عن مصدر ذي علاقة بالسعوديين قوله ان ‘الخطوة للابتعاد عن الولايات المتحدة هي خطوة كبيرة. فالسعودية لا تريد أن تجد نفسها بعد اليوم في وضع تكون فيه متعلقة بالولايات المتحدة’. بندر بن سلطان كان فقط احد المنتقدين. وبشكل استثنائي في علنيته، أمير سعودي آخر اختار انتقاد ‘تردد’ ادارة اوباما بالنسبة لسورية والمسيرة السلمية. الامير تركي الفيصل قال ان سياسة اوباما في سورية بائسة، وأعرب عن استخفاف عميق بالصفقة الامريكية الروسية لتصفية مخزونات سلاح الاسد، أو بكلمات الامير الفظة: ‘الاحتفال الحالي حول سيطرة الدولة على مخزونات السلاح الكيميائي لدى الاسد كان يمكن أن يكون مضحكا لو لم يكن خيانة. فهو يرمي ليس فقط لاعطاء اوباما فرصة للتراجع عن عملية عسكرية، بل ويساعد الاسد ايضا على ذبح ابناء شعبه’. كلمات كهذه لم تطلق من امير سعودي على رئيس امريكي منذ سنوات عديدة، هذا اذا كانت اطلقت على الاطلاق. مصادر في الاسرة المالكة قالت ان ‘امريكا تقترب من ايران وفشلت في الاعراب عن التأييد للسعودية في اثناء الثورة في البحرين’.

هذه لم تعد اشارات عدم راحة، بل انها تهديد بأزمة. السعوديون يقولون للامريكيين نحن لا نؤمن بالمناورات الامريكية، ونحن لا نؤمن بانكم ستحمون ظهرنا. بيبي؟ بيبي هو المشكلة الاصغر لاوباما الان. الرياض تفعل لواشنطن خازوقا علنيا. كيف سيكون منظر الشرق الاوسط بعد التسليم بين ايران والولايات المتحدة؟ هل سينجح الامريكيون في التوازن بين قصة الغرام الجديدة وبين التزاماتهم القديمة؟ صيغة عقد من الزمان تنهار.

معاريف