الماضي هو المستقبل الجديد

بقلم: يوسي سريد

يجب تخويفهم وهم صغار ‘في الصف الاول بل في الروضة الالزامية’. إن المخصخصين الكبار هم كبار المؤممين.

في اوشفيتس بركناو سافرت لأنقلها الى البيت بعد عودتها فسألتني: هل تعرف واحدا اسمه بيبي فأجبتها: ‘مؤكد، إنه السفير في الامم المتحدة’. فقالت: أنا غاضبة عليه، فقد وقف هناك واستغل المنصة فقال إن الفلسطينيين يريدون أن يقتلونا كالنازيين وإن عرفات هو هتلر الجديد.

وقالت آمل ألا نسمع عنه الكثير جدا.

ومنذ ذلك الحين أصبحت مسيرتنا هادرة. فنحن هنا وبيبي هنا والمحرقة معنا كمعزق نحفر به، ونتنياهو يحفر بلا توقف لأنه اذا لم يحمنا شخصيا فسنُشنق جميعا. متى انتُخب آخر مرة هنا رئيس وزراء يمسك بصولجان الأمل الطيب.

إن نتنياهو محرقي فنان ووارث مخلص لمناحيم بيغن، الذي كان أول من أطلق المارد. فقد اجتهد بن غوريون في الابقاء على القمقم مغلقا لئلا يصاب اليهود بالجنون: فهم جرحى أصلا ولا يجوز ذر الملح في الجروح. لكن بيغن بقي في الشتات في بولندا مطاردا معزولا. إن بريسك أصبحت هنا والذكرى لا تحيا وتخفق فقط بل تركل برجلها ايضا. وقد أوصانا في موته بأن نحيا في ظل الموت، ونتنياهو يحفظ الوصية.

لم يعد وحده، فقد قام مقلدون له في المدة الاخيرة، رأوا أن الخوف صالح ومُربح، واستقرت آراؤهم على الاتجار به، في شراكة ومال يُنقل الى المتذكر. فزاد على مخاوفنا الساسة الجدد ايضا. لم يتخيل نصف مليون ناخب أعطوا ‘يوجد مستقبل’ أصواتهم أن الماضي خاصة هو المستقبل الجديد.

شخص يئير لبيد الى هنغاريا وخطب في البرلمان هناك خطبة كخطب نتنياهو التقليدية: لم تكن تدور حول ما تعلمته دولة اليهود درسا لنفسها في دروس البيت الثالث (الهيكل الثالث) بل ما تُعلمه للآخرين في دورات تعليم خارجية. وشخص وزير التربية صديقه الى بولندا بصحبة طلاب ومشاهير بعد مرور 25 سنة على المسيرات التي تتجه الى الخلف بدل السير الى الأمام. وعاد شاي بيرون وأطلق في الجمارك فكرة كهربائية آسرة وهي، أن ليس الفتيان والفتيات أبناء السابعة عشرة وحدهم هم الذين سيتعرضون منذ الآن لاشعاع التاريخ، بل سيتعرض له اطفال بيت ربان ايضا، فالنفس اللينة تشرب ذلك بصورة عميقة.

قبل أن يبلغوا التمييز يصيبونهم بالجنون بقولهم: ماذا تعلمت اليوم في الحضانة أيها الولد. تعلمت أنه اذا لم تُنه ما في فمك وفي الطبق فسيأتي شرطي الماني ويأخذك. ولو أن عندي أولادا أو أحفادا لحذرت من أن أُرسلهم الى روضة مفتوحة تشبه مؤسسة مغلقة.

أربما لا يكون أبناؤنا أقوياء بصورة كافية؟ أفنحن هنا في أثينا؟ ربما يحسن أن نحفزهم حفزا إسبارطيا وألا نلفهم بالصوف الصخري.

نشرت قبل سبع سنوات كتابا من اصدار ‘يد واسم’ و’يديعوت’ وهو: ‘ببيتشيك، لم يعرف اسمه’ وهو قصة بيتر غرينفيلد، صديقي الذي كان في الرابعة من عمره حينما دخل الى اوشفيتس، وكان في الخامسة حينما خرج. ويصف الكتاب رحلته في البحث عن هويته التي استمرت أكثر من 45 سنة، ولا أوصي به للاولاد.

واسألكم أيها الآباء المدللون: اذا كان الطفل (بيبي) قد اجتاز الحقن في ظهره التي حقنه بها الدكتور منغليه والقطرات التي قطرها في عينيه والابرة التي أدخلها في دماغه، أفلا يستطيع أولادكم أن يجتازوا قصته؟ واذا كان ولد في الرابعة قد اجتاز الكتلة 10 فان أبناء الخمس يستطيعون أن يجتازوا اصلاحا آخر ايضا.

 

هآرتس