ليبيا تتجرأ تقريبا على التشوق الى القذافي

بقلم: تسفي برئيل

إن بلدنا كما تعلمون يواجه تحديا أمنيا عظيما يتجسد في انتشار السلاح وعدم قدرة الحكومة على حل المشكلة… إن قوى كثيرة تعمل على افشال جهودنا لانشاء جيش وطني، وهي تشوش على خطة التدريب التي تبنتها الحكومة مع قوى دولية لاعداد الجيش وتدريبه’، كتب هذا الاسبوع رئيس الحكومة المؤقتة علي زيدان في اعلان نشره في وسائل الاعلام في ليبيا.

يتحدث زيدان في الامثلة التي اعدها في رسالته الطويلة، عن أن ثلاثة من موانئ ليبيا المهمة، وهي سدرة ورأس الأنوف وزوتينا، سيطرت عليها عصابات مسلحة تمنع عملها. ‘إن جهودنا لحل الازمة بعرض لدفع مال عن السلاح الذي سيسلمه الخاطفون للحكومة، وتجنيد اصحاب تأثير من القبائل وجهود وساطة لجنة برلمانية، قد خابت’، يكتب رئيس الحكومة الذي يصف بالتفصيل ايضا قضية اختطافه قبل اسبوعين من فندق كورنثيا في طرابلس العاصمة، على أيدي أكثر من 100 مسلح، من عصابة غرفة عمليات ثوار ليبيا. وقد اختطفه هؤلاء بالقوة من غرفته التي كانت له سكنا ومكتب عمل، مع عدد من مساعديه وسجنوهم في زنزانة في مبنى كان يستعمله جهاز مكافحة الجريمة. ويشكر زيدان في رسالته ‘جماعة الشباب والسكان من حي الفرناج، حيث يوجد المبنى، الذين داهموا المبنى وخلصوه منه’.

يكفي هذا الوصف لندرك مبلغ الفوضى التي غرقت فيها ليبيا بعد سنتين من القضاء على معمر القذافي. فعلى سبيل المثال أُنشئ الجسم المسمى غرفة عمليات ثوار ليبيا المسؤول، رغم إنكاره، عن اختطاف زيدان، قبل ثلاثة اشهر على يد رئيس البرلمان الليبي نوري أبو سهمين، الملقب بلقب القائد الأعلى للقوات المسلحة ايضا، وقد عين أبو سهمين الشيخ شعبان مسعود هدية، وهو واحد من رؤساء المتمردين على نظام القذافي، الذي عمل مع قوات حلف شمال الاطلسي التي هاجمت قواعد النظام، عينه قائدا لهذه القوة الخاصة التي يبلغ عدد أفرادها 7 آلاف مقاتل. لكن أبو هدية ذاك هو ايضا أحد القادة الاسلاميين المتطرفين، وكان بحسب تقارير في ليبيا اليد اليمنى لأبي أنس الليبي، رجل القاعدة الذي اختطفته القوات الخاصة الامريكية في بداية تشرين الاول/اكتوبر. وقد استقر رأي رئيس البرلمان في الحقيقة منذ حدث اختطاف رئيس الحكومة على الاستبدال بقائد غرفة العمليات، لكن يبدو الآن ان هذه العصابة المسلحة ما زالت تعمل تحت إمرة القيادة السابقة.

وليست هي العصابة المسلحة الوحيدة التي تعمل في ليبيا، لأن هناك 12 عصابة مسلحة ومدربة وممولة على الأقل تعمل على فرض الأمن في الدولة. ويتصل عدد منها برؤساء القبائل، وتعمل أخرى كعصابات مسلحة خالصة. والمفارقة هي ان الحكومة تنفق على أكثرها، ويشمل ذلك العصابة المسلحة التي اختطفت رئيس الحكومة. لأن هذه هي طريقة الحكومة لشراء الهدوء مع عدم وجود جيش نظامي وطني يستطيع أن يسيطر على كل محافظات الدولة.

اذا لم تكن هذه الصلة المعقدة الغامضة بين الحكومة والعصابات المسلحة كافية، وتعلقها المطلق بارادتها الطيبة، فانه يمكن ان نعود الى كانون الثاني/يناير 2013 حينما عين زيدان خالد الشريف لمنصب نائب وزير الدفاع. كان الشريف نائب أمير قوات القاعدة في ليبيا، وناشطا مركزيا سابقا في قوات القاعدة في افغانستان. وبعد الهجوم الامريكي على افغانستان في 2001 فر الشريف الى باكستان، حيث مكث حتى سنة 2003 حينما سُلم الى القوات الامريكية التي احتجزته سنتين الى أن سلمته الى القذافي. وأُفرج عن الشريف في 2010 وسُجن مرة اخرى بعد سنة، وأُفرج عنه ثانية بعد الثورة فانشأ الحرس الوطني مع عبد الحكيم بلحاج، الذي كان معه في السجن وكان يعتبر قائد فرع القاعدة في ليبيا.

وكان تعيينه نائبا لوزير الدفاع جزءا من جهود زيدان لتجنيد رؤساء العصابات المسلحة، ومنها العصابات المسلحة الاسلامية للعمل في خدمة الحكومة، بتعيينهم في مناصب رفيعة في وزارات الحكومة. وقد عُين 11 رئيس عصابة مسلحة على الأقل لهذه المناصب، لكن كل رئيس عصابة مسلحة ظل يسيطر على جيشه الخاص ايضا.

وهي تعمل في ظاهر الامر في خدمة الامن الوطني، لكن هذه العصابات تُستعمل في واقع الامر وسائل سيطرة لرؤساء القبائل على السياسة الليبية، هذا اذا أمكن أن نُعرف سلوك الحكومة بأنه سياسة. لأن ليبيا تواجه الانحلال الى اقاليم مستقلة، الى جانب التحدي الامني العظيم، أي الفشل المطلق في ادارة أمن الدولة.

تقع المحافظة الشرقية التي عاصمتها بنغازي، ويوجد فيها احتياطي نفط الدولة ضمن سيطرة مستقلة مقسومة بين أحد رؤساء الثوار السابقين، وهو ابراهيم الغطران، الذي يسيطر بالقوة على قوة من نحو 20 ألف’مقاتل، وبين قائد عصابة مسلحة اسلامية هو احمد بحتاتة المسؤول كما يبدو عن قتل قائد الشرطة العسكرية الليبية في بنغازي في الاسبوع الماضي، وعن قتل السفير الامريكي في ليبيا في أيلول/سبتمبر 2012. وقد أعلن متمردون في محافظة فزان في جنوب غرب الدولة استقلالهم أو انشاء حكم ذاتي على الأقل يكون جزءا من الدولة الاتحادية اذا نشأت في يوم ما.

إن اعلان الاستقلال في بنغازي وفزان مصحوب باقامة حواجز ووحدات شرطة وأمن مستقلة وجهاز جباية ضرائب لا تحول الى خزينة الدولة. إن هذه العصابات المسلحة التي يبلغ عدد أفرادها بحسب تقديرات مختلفة نحو ربع مليون مقاتل هي الحاكمة الحقيقية للدولة التي لا تنجح في انشاء مؤسسات حكم منظمة وفي صوغ دستور يوافق عليه أكثر المواطنين أو فرض سلطتها عليهم.

وازاء هذه الصعوبات يحاول زيدان ان يُبرد الاحتجاجات عليه برفع أجور العاملين بنسبة 20 بالمئة، في حين ما زال انتاج نفط الدولة بعيدا عما كان عليه في عهد القذافي. وقد أعلن زيدان في هذا الشهر ان الدولة تنتج نحوا من 600 700 ألف برميل كل يوم قياسا بـ 1.6 مليون برميل في عهد القذافي. وفي الشهر الماضي وعلى خلفية اضرابات وتعطيل عمل، نجحت ليبيا في أن تنتج في الحاصل العام نحوا من 200 ألف برميل كل يوم وليس واضحا من أين سيأتي المال لدفع زيادة الأجور التي وعد بها. إن بقاء ليبيا متعلق بقدرات مجموعة صغيرة من الساسة ورؤساء القبائل على إحداث مصالحة، بيد أن الانطباع الآن هو أنهم بعيدون عن التوصل الى اتفاق وأن ليبيا ستظل تتقطع إربا إربا.

 

هآرتس