قطر بدأت تستنفد قوتها في المنطقة

بقلم: يوئيل جوجنسكي
أصبحت قطر في السنوات الاخيرة دولة مركزية في الشرق الاوسط وذات نفوذ واسع خارجه.
كل هذا قد يتغير. فالقوة الاقتصادية الهائلة والاستعداد لاستخدامها لأغراض سلمية، اضافة الى ضعف عدة مراكز قوى اقليمية على خلفية "الربيع العربي" أبرزت السياسة الخارجية المميزة للإمارة.
فالسند الامني الأميركي يسمح بالنشاط الدبلوماسي للامارة مع العلم بأن أمنها محفوظ (قطر تستضيف قيادة المنطقة الأميركية الوسطى وعلى أرضها قاعدة سلاح الجو الأميركي الاكبر في الشرق الاوسط).
ولكن قوة الامارة ليست غير محدودة. فالكثيرون غير راضين عن السياسة الخارجية "المغامرة" والفاعلة، إن لم نقل الانتهازية، لقطر في المنطقة.
سلسلة من التطورات الداخلية والخارجية قد تؤثر سلبا على مكانة قطر. أولا، التغيير الشخصي في قطر. ففي حزيران الماضي وفي خطوة استثنائية نقل الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني الحكم الى ابنه، الامير تميم، ابن الـ 33 سنة، فأصبح بذلك الزعيم الاصغر سنا في العالم العربي.
وثمة مؤشرات الى أن الامير الجديد سيسعى الى التركيز بالتدريج على الشؤون الداخلية ومشاريع التنمية تمهيدا لاستضافة كأس العالم بكرة القدم في العام 2022 – على حساب السياسة الخارجية المبذرة التي تبنتها الامارة وتحظى الان ببوادر انتقاد داخلي: هناك من يطلب في الامارات ان يستخدم الثراء الفاحش الذي يتمتعون به في تنمية "الطرق في الدوحة وليس في لبنان".
في السياسة الخارجية، ظهرت بعض طموحات الامارة كفاشلة. فقبل بدء الحرب الاهلية في سورية كانت قطر قريبة من النظام السوري.
وبعد بدء الاحداث في آذار 2011 وانطلاقا من التفكير بأن ايام هذا النظام معدودة، ادارت اسرة آل ثاني ظهرها لنظام الاقلية العلوية وحلفائه، "حزب الله" وايران، وبدأت تدعم المعارضة. وأدى هذا الدعم القطري للمتطرفين من بين الثوار في سورية (مثلما فعلت قبل ذلك في ليبيا الى اثارة الانتقاد والى الاضرار بعلاقات قطر ايضا مع الولايات المتحدة، التي تخشى، وعن حق من آثار تعزيز هذه المحافل. ومنذئذ، قلصت قطر جدا تدخلها في الازمة ودعمها للثوار بشكل عام وأصبحت جارتها الكبرى من الغرب، السعودية، الداعمة الاساسية لهم (مثلا، احمد جربا، المقرب من السعودية، عين مؤخرا رئيسا لائتلاف منظمات الثوار في سورية بدلا من مصطفى صباغ، المقرب من قطر). كما أن ثمة انتقادا دوليا متصاعدا ضد الإمارة بعد أن انكشفت شروط تشغيل العمال الاجانب في اراضيها (الناباليين والهنود اساسا) على خلفية أعمال التنمية تمهيدا لمباريات كرة القدم – 600 عامل اجنبي يموتون كل سنة في الامارات.
كما أن امكانية أن تنتقل المباريات الى الشتاء بسبب المناخ الشديد في اشهر الصيف في الخليج قد تمس بمكانة الامارة، التي ترى اهمية لوقوع الحدث في موعده الاصلي.
وعرضت قطر في السنة الاخيرة "خدماتها الطيبة" ايضا في الاستضافة والوساطة في المفاوضات بين الولايات المتحدة و"طالبان".
وهذه المفاوضات عالقة أيضا عقب اغلاق مكتب طالبان في الدوحة في وقت مبكر من هذه السنة، الأمر الذي مس بمكانة الامارة وبقدرتها على الاستعانة بـ "خدماتها الطيبة" في المستقبل.
لاحظت قطر صعود الاسلام السياسي، في ظل استياء جاراتها العربيات في الخليج، وعلى عادتها حاولت أن تركب الموجة الاسلامية وترتبط بممثلتها الابرز – مصر مرسي.
وكانت علاقات قطر ومصر عكرة على مدى السنين. ومن الشهير في هذا السياق تعبير الرئيس المصري الاسبق مبارك الذي قال: "لماذا اولي اهتماما لبلد بعدد من السكان يمكن أن ينزلوا في فندق صغير في القاهرة؟"، ولكن حتى شهر العسل الذي استمر لسنة وميز علاقات قطر مع مصر في عهد "الاخوان المسلمين" قد انتهى.
مع سقوط مرسي خسرت قطر حليفا مركزيا (منحته نحو 8 مليارات دولار بالقروض وبالمنح) وقدرة التأثير التي لا بأس بها التي كانت لها في القاهرة ومن خلالها على المنطقة.
قطر، في محاولة لترميم العلاقات وان كان قليلا، حاولت، حتى الان دون نجاح أن تعرض نفسها بعد الانقلاب في مصر، كمن كانت دوما تدعم "الشعب المصري" وليس هذا الحكم أو ذاك".
ولم يتأثر الحكم المصري الجديد بهذه الاقوال، وجمد المحادثات على استيراد الغاز الطبيعي من الامارة، اغلق فرع "الجزيرة" المحلي، حبس صحافيين عملوا في الشبكة، ورفض طلب قطر تصعيد وتيرة الرحلات الجوية بين القاهرة والدوحة، بل اعاد على سبيل الاحتجاج منحة 2 مليار دولار اودعت في البنك المصري المركزي واعطيت للنظام السابق – دليلاً على عمق الروافد والعلاقات العكرة بين الدولتين. في نهاية ايلول 2013 أصدرت السلطات المصرية أمر اعتقال ضد الشيخ يوسف القرضاوي، الذي يسكن في قطر ويتماثل مع "الاخوان المسلمين"، للاشتباه بالتحريض على قتل الشرطة المصريين.
وفقدت محطة التلفاز القطرية، عظيمة النفوذ، هي الاخرى بعضا من سمعتها التي كانت لها في اجزاء غير قليلة من العالم العربي، في ضوء تغطية الاحداث في مصر، التغطية التي لا تزال تتميز بخط انتقادي تجاه الحكم العسكري.
وكان لقطر تأثير ما في القدس ايضا التي حافظت على علاقات مفتوحة معها، بمثابة تطبيع بحكم الامر الواقع، على مدى السنين.
ولكن حملة الرصاص المصبوب في غزة في العام 2009 وعلاقات قطر مع محافل كايران و"حماس" (التي منحها الامير السابق شيكا بمبلغ 400 مليون دولار اثناء زيارته العلنية التي "حطمت" الحصار الاسرائيلي على القطاع) أدت في النهاية الى قطع العلاقات بين الدولتين، العلاقات التي تباهت بها الدوحة وساهمت في كونها استثنائية في المشهد العربي.
ورغم ذلك، لا تخفي قطر استعدادها لاقامة علاقات علنية مع اسرائيل، شريطة أن "تثبت القدس جديتها في المسيرة السياسية"، شرط هو الحد الادنى للشروط التي يطرحها العالم العربي لاقامة علاقات علنية مع اسرائيل.
وبصفتها دولة صغيرة، على قطر ان تلاحظ السياقات والميول وان تستبق جيرانها الاكبر في التصدي لها، من أجل الدفع الى الامام بأجندتها المميزة، التي تحركها مصلحة البقاء الصرفة. ومن غير المستبعد ان تكون الامارة الصغيرة قد وصلت الى استنفاد قوتها، وحظيت برد فعل مضاد واسع للخط السياسي الذي تبنته.
وستكون ملزمة بأن تكيف سياستها الاقليمية بشكل عام، وتجاه مصر بشكل خاص، اذا كانت ترغب في أن تحافظ على مكانتها في العالم العربي وعلى مدى نفوذها. وطالما كان النظام في مصر لا يقف على قدميه فيحتمل أن يجد صعوبة في ان يدير ظهره تماما الى المساعدة القطرية. ولكن اذا ما وعندما يستقر الوضع في مصر دون أن يحدث تغيير في العلاقات بين الدولتين، سيفضل نظام الجنرالات المصري المساعدة السخية الذي سارع الى عرضها جيران قطر، الدول المصدرة للنفط، السعودية، اتحاد الامارات، والكويت.
حتى بداية الاحداث في سورية تميزت السياسة الخارجية القطرية بالحفاظ على معظم الابواب مفتوحة، واقامة علاقات مع عموم الجهاد في الشرق الاوسط بمثابة "بوليصة تأمين" ضد القوى المتطرفة في المنطقة. وكانت عملية ابداء سياسة مستقلة في علاقة معاكسة مع الحجم الجغرافي لقطر ونبعت من رغبتها في تعظيم اهميتها الاقليمية وحماية المقدرات الطبيعية التي وهبت بها.
ان الامارة التي تعد نحو 300 الف مواطن (اضافة الى اكثر من مليون عامل اجنبي)، لعبت في السنوات الاخيرة في ملعب الكبار وسارت مسافة أبعد مما ينبغي.
في ضوء قدراتها الاقتصادية، سيكون من الصعب تجاهلها على مدى الزمن. ولكنا الضعف (المؤقت؟) للإسلام السياسي في المنطقة قد يجبر الامارة على التركيز في شؤونها الداخلية، تبني سياسة اكثر حذرا وانتظار الفرص.
وبالفعل، فان اول زيارة لتميم خارج الامارة كانت للسعودية، ما يدل ربما على محاولة لتخفيف حدة التوتر مع الرياض بل وربما تبني سياسة خارجية اكثر انضباطا.