ليس عدلا مع الروس

بقلم: ناديا آيزنر

تُنشر احيانا في وسائل الاعلام مقالة واحدة قصيرة تنجح في أن تُغضب جمهورا كاملا عليها، وهذا ما حدث لمقالة ‘الروس وقتل رابين’ التي كتبها دمتري شومسكي (‘هآرتس′ ـ 16/10). فقد أثارت المقالة ردودا شديدة جدا في الشبكات الاجتماعية، ومن الجمهور الذي يتحدث الروسية، لا بين اليمينيين فقط، بل حتى بين الليبراليين الذين هم أكثر انفتاحا ويسارية.

ما الذي حظي به شومسكي فجعل مقالته تحظى بهذا الرد الشديد جدا؟ إن زعمه المركزي هو أن مفاهيم القومية العرقية ـ المناطقية التي جاء بها جمهور المهاجرين معه من الاتحاد السوفييتي، هي سبب ادارته ظهره لتراث رابين والمسيرة السلمية، وتأييده لليمين القومي في اسرائيل. وقد وجدت هذه القومية الروسية ارضا خصبة في البلاد، في صورة افكار، كحق الآباء في ارض اسرائيل وسائر الدعاوى الايديولوجية لغوش ايمونيم. وقد لا يكون تحليل شومسكي التاريخي بلا أساس، لكن استنتاجاته تتجاهل عددا من العوامل المبدئية.

أولا هاجرت أكثر الجماعة الروسية الى اسرائيل قبل بدء العمليات التفجيرية الجماعية بثلاث سنوات. ولا يمكن أن يُبحث في تصوراتهم وردودهم على اتفاقات اوسلو، من دون أي تناول لهذه الحقيقة ‘الصغيرة’. إن شومسكي يتجاهل في مقالته تماما الموجة الارهابية التي ضربت البلاد بعد الاتفاقات. وقد كانت العملية التفجيرية في ‘الدولفيناريوم’ بالنسبة لكثيرين من أبناء المجتمع الروسي في اسرائيل هي اللحظة التي تبدل فيها توجههم المعتدل ليصبح توجها قتاليا نحو الفلسطينيين.

إن مليون الانسان الذين جاءوا الى هنا بحثوا في الأساس عن الأمن وعن مستقبل أفضل لأبنائهم، وشعر هؤلاء الناس بعد اتفاقات اوسلو فورا بأنهم جاءوا بأبنائهم الى بلد قد يُفجرون فيه في حافلة أو في صف أمام مرقص وكان للعملية التفجيرية في الدولفيناريوم دور حاسم في انشاء الأجندة السياسية لجمهور المهاجرين.

ويتجاهل شومسكي ثانيا الجو العام الذي نشأ في اسرائيل حول مقتل رابين وأن الجمهور المتحدث بالروسية لم ينجح في أن يربط نفسه به في أية حال من الاحوال. ومن المهم أن نذكر هنا أن رابين لم يكن بالنسبة للمتحدثين بالروسية بطل اسرائيل وجنرال الحروب، بل كان ‘جنرالا’، وهو لقب يستدعي في الحياة العامة الروسية نظرة جذب وصد، لأن هؤلاء عرفوا في بلدانهم الضرر والتأثيرات لنظام حكم يقوم على الجيش أكثر مما يستدعي الامر.

إن المهاجرين أعطوا رابين الثقة من وجهة نظرهم، وفوضوا اليه أن يكون رئيس وزراء وآمنوا بأنه سيحل مشكلاتهم وسيأتي لهذه البلاد بالسلام ايضا، لكنه في الخلاصة لم يأت بالسلام، بل بعمليات ارهابية ولم يُحسن الى ذلك وضعهم في أي مجال أي أنه كان يوجد فرق بين الوعود التي نثرت والتوقعات وبين الواقع. وأحدث هذا الفرق خيبة أمل كبيرة في الشارع الروسي. لم يتمنَ المهاجرون موت رابين معاذ الله، لكنهم غضبوا عليه وشعروا بأنه ضللهم وأخلّ بثقتهم به. ورأوا ايضا انه المسؤول المركزي عن موت مواطنين في العمليات وعن ‘مساومة مخطئة’ سُلمت بها اراض، من دون الحصول على شيء مقابل ذلك.

بعد قتل رابين. واذا تجاوزنا عن الصدمة لمجرد امكانية قتل سياسي في دولة حديثة وديمقراطية، لم يشعر المهاجرون بحزن شخصي. أي أنه لم يكن لرابين في تجربتهم الخاصة ماض، ما جعله يحظى بـ’نقاط’، ولهذا ردوا بارتياب ورفض للحداد الثقيل الذي غطى الجمهور الاسرائيلي القديم. ورأوا أن تعظيم رابين وتراثه قد بلغ حد ‘عبادة الشخص’ الذي عرفوه في النظام الذي هربوا منه وأثار فيهم ذلك شعورا كبيرا بعدم الارتياح.

والى ذلك نسي شومسكي أن يذكر في مقالته حقيقة تاريخية، وهي ان ذلك الجمهور الذي أسهم في ان يتولى بنيامين نتنياهو الحكم في 1996، أسهم ايضا في سقوطه وتولي خصمه ايهود باراك الحكم في 1999. وليس هذا موضع البحث في اساليب تصويت جمهور متحدثي الروسية في اسرائيل، لكن من الواضح أنهم ذوو صلة بخيبة أمل مكررة من زعماء يعدون بالتغيير لكنهم لا يفون، أكثر من صلتهم بجذور قومية في نفوسهم وتربيتهم. لا يعوز وجود روح القومية القاسي لدى جماعة متحدثي الروسية، لكن اثارة ذلك في سياق مقطوع جدا عن واقع حياة جمهور مهاجرين كان موجودا في مطلع تسعينيات القرن الماضي، في محاولة البقاء الاقتصادي في بلد جديد، وفي سياق جد حساس، كمقتل رابين، مُغضبة ومحزنة ولا تصيب الحقيقة في الأساس.

 

هآرتس

حرره: 
ز.م