العيش مع القنبلة الذرية

بقلم: يارون لندن

‘الله موجود في التفاصيل’؛ عاد الخبراء واستعملوا هذه الجملة بكلامهم على الاتفاق الذي أخذ يُنسج بين ايران والقوى الكبرى. إن كرامة باروخ سبينوزا محفوظة، لكن يخيل إلي أن الاشتغال بالتفاصيل يطمس على الاتجاه الذي يستحسن أن يُشغل به العقل المفكر. إن الاتجاه هو الى انشاء تسامح بين القوى الكبرى وايران، والحفاظ على قدرة الدولة الشيعية على أن تركب سلاحا ذريا حينما ترغب في ذلك، فهل ستتضرر اسرائيل تضررا بالغا؟

‘إن التخمين الأكثر إخافة هو أن قادة ايران الذين يتنبأون بأمر هائل ينشأ عنه عالم يخضع لحكم الله، سيوجهون الينا ضربة ذرية، من دون احتساب ما سيحدث لبلدهم. إن اربعة فرسان، هذا الامر الهائل، منطلقون قدما ايضا في مقدمة أصوليين مسيحيين يتنكر أكثرهم بلباس اصدقاء اسرائيل، وهم يظهرون بصيغة مشابهة ايضا في تنبؤات اسرائيليين مبلبلين من اولئك الذين يريدون أن يهدموا المساجد في جبل الهيكل (المسجد الاقصى).

إن التنبؤ بيوم القيامة الاخير لا باعتباره شوقا الى الموت، بل باعتباره خيارا أخيرا، يتغلغل ايضا الى الفكر الاستراتيجي الاسرائيلي، فقد وقع البرهان على ذلك في الايام الاخيرة بسلسلة افلام عن حرب يوم الغفران بُثت في القناة الاولى. وقد صدقت الاشاعات عن طلب موشيه أن يوزن استعمال السلاح الذري بالشهادة المصورة لأرنون عزرياهو، مستشار الوزير اسرائيل غليلي.
إن هذا الكشف الصحافي لا يضر بقدرة اسرائيل الردعية لأنه يدل على أن ‘خيار شمشون’ ليس كلاما فارغا من المضمون. واحتمال أن يقطع الايرانيون أعناقهم بشرط أن تُقطع أعناقنا، يشبه احتمال أن يصيب شهاب الكرة الارضية ويُبيد كل حي. يمكن أن يُفعل القليل جدا لابعاد الخطر الكوني، أما الخطر الايراني فقد استطعنا إبعاده، كما تقول مصادر اجنبية، بوسائل تسمى ‘القدرة على الضربة التالية’. وهي كافية لتعزيز الأسس العقلانية عند القيادة الايرانية. يمكن بالطبع أن يُكتب سيناريو عن آية من آيات الله مصاب بشعور بالمطاردة يسيطر على الزناد الذري، لكن تاريخ الحرب الباردة أثبت أن المتطرفين الايديولوجيين ايضا يُحجمون عن تحويل الكرة الارضية الى هباء.

‘هناك تهديد آخر تتنبأ به اسرائيل وهو منح العمليات الموجهة على اسرائيل بفضل مظلة ذرية ايرانية. وقد استعملت هذه الاستراتيجية، وهي حرب استنزاف باستخدام وكلاء القوتين الكبريين في فترة الحرب الباردة. لكن الدرس هو أن الوكلاء حارب بعضهم بعضا وكأنه لا توجد قوى كبرى ذرية تغطي عليهم. لم تنسحب الولايات المتحدة من فيتنام بسبب الخوف من هجوم سوفييتي، ولم ينسحب الاتحاد السوفييتي من افغانستان بسبب خوفه من صواريخ بالستية تُطلق على الولايات المتحدة. فالردع الذري لن يقلل من قدرة اسرائيل على ضرب حزب الله أو وكلاء ايران في سورية.

‘وهناك امكانية اخرى معقولة أكثر وهي أن تُحفز الدول العربية السنية على تطوير سلاح ذري لها. إن كثرة اللاعبين الذين يملكون سلاح ابادة جماعية تزيد في احتمال حدثٍ بسبب فشل تقني أو خطأ في فهم نوايا العدو، أو وقوع مواد فتاكة في أيدي منظمات ارهابية. ليس من الطيب العيش في محيط يخزن بعض سكانه سلاحا ذريا، لكن التناقض هو في أن زيادة التهديد قد تخلصنا من وحدتنا. إن اسرائيل تُبين منذ زمن أن ايران المسلحة بسلاح ذري تُعرض العالم كله للخطر، لكن زعمنا لم يحث القوى الكبرى على استعمال عملية ردع عنيفة. وسيتغير الوضع كلما زاد الخطر. إن منطقة ذرية تمتد من افغانستان الى القاهرة قد تقنع العالم بما لم تنجح اسرائيل في اقناعه به.
في هذه الاثناء يحدث تحت السطح تطور ايجابي بالنسبة الينا، وهو أن الدول العربية السنية تضطر الى الاعتماد على الغرب، وتعزز علاقاتها باسرائيل. وتُدفع المشكلة الفلسطينية الى الهامش ويُمكّن هذا الواقع اسرائيل من أن تواجهها تحت ضغوط أخذت تقل. وهناك سؤال مستقل يدور حول قدرتنا واستعدادنا لاستغلال نافذة الفرص التي فُتحت لنا.

حرره: 
م.م