سياسة الذرة والطبقة الوسطى

بقلم: أمير أورن

‘اجتمع 15 من سفراء اسرائيل في العالم في الاسبوع الماضي في تل ابيب، من اجل محاضرات ومباحثات. وهذا هو المنتخب الدبلوماسي في نظر وزارة الخارجية، لا الممثلين أنفسهم، بل الدول التي يخدمون فيها. وقد سموها من قبل ‘دول الجوهر’. وأهانت هذه التسمية الدول التي بقيت خارج القائمة أو السفراء الاسرائيليين فيها على الأقل، ولهذا أوجد اسم غامض المعنى هو ‘زنبقة’، ربما لذكرى المظليين البريطانيين الذين كانوا يتجولون في شوارع تل ابيب، حتى لقد أثروا في ذكريات طفولة بنيامين نتنياهو، رغم أنه ولد بعد نهاية الانتداب البريطاني بسنة ونصف السنة (سيتم الرابعة والستين غدا).
واشنطن ولندن، ونيويورك الامم المتحدة، وبروكسل الاتحاد الاوروبي، وطوكيو وبكين، وباريس وبرلين والقاهرة وعمان، ودلهي وموسكو، هذه عواصم اخرى قليلة يشتمل عليها الاتحاد الاعلى لما تهتم به اسرائيل. ان الحاجة الى تخصيص مجموعة مستقلة من جوهر أو زنبقة يعبر عن حقيقة حياة، وهي أنه ليست كل الدول أو المفوضيات قد ولدت متساوية، ولهذا ينحصر الجهد في تلك التي هي أكبر مساواة.
وهذه ايضا صورة مرآة للنظام العالمي القديم الذي يستوجب التحديث، فمنظمة الامم المتحدة التي تحتفل بيوم ميلادها في هذا الاسبوع ايضا تحافظ على بنيتها منذ 1945، وهي حكومة على هيئة مجلس الامن، وبرلمان على هيئة الجمعية العامة. والاعضاء الخمس الدائمة في المجلس التي تملك قوة الفيتو تحبط البقية جميعا، وفيها العشر المتغيرات في المجلس. وكذلك الحال ايضا في نظام ميثاق منع انتشار السلاح الذري، فتلك الخمس الدائمة من الجهاز السابق تعاود الظهور هنا، فهي الدول الكبرى الذرية المعلنة التي دخلت النادي مع قنابل ذرية في جيوبها، أما الدول الأخرى جميعا فقد وقعت على التزام الزهد في السلاح الذري. وأما تلك التي يُشك في نكثها بوعدها كايران فتعاقب، وتلك التي لا تكون مستعدة لطاعة الدستور الهند وباكستان واسرائيل تتجاوز عن كرامتها وتبقى في الخارج تواصل نشاطها الذري.
إن الوضع الحالي يظلم الطبقة الوسطى وهي الدول التي حصلت على القدرة الذرية بعد الخمس الكبار (والتي لا يوجد تعليل منطقي لتمييزها؛ فأي فضل لبريطانيا وفرنسا على الهند وباكستان) والقوى الكبرى الاقليمية. ومرة اخرى يكون الحديث عن الهند وقرينتها باكستان، والارجنتين والبرازيل، وتركيا وايران، والمانيا واليابان، ونيجيريا وجنوب افريقيا، واستراليا وكوريا الجنوبية، ويمكن أن نذكر في العالم العربي مصر والسعودية اذا احتيج الى ممثلتين.
يوجد في الطائرات بين القسم الاول وقسم التوفير، قسم الاعمال؛ ويجب ان تُقدم إليه الدول التي تجلس الآن خائبة الأمل في المقاعد المفضلة من قسم السياح وتنظر في شعور بالمرارة الى الستار الذي أغلق دونها، هكذا الحال في الامم المتحدة، وهو كذلك في اتفاق منع انتشار السلاح الذري.
‘يمكن أن تتميز الطبقة الوسطى في مجلس الامن، الذي سيزاد عدد اعضائه بالضرورة من 15 الى 25 بعضوية ‘دائمة’ لكنها غير ‘ثابتة’، لدول لا تضطر الى اخلاء مكانها بعد سنتين، لكن لا تزود بحق الفيتو الذي يبقى للدول الخمس الدائمة (يكفي اليوم اكثرية معتبرة بين اعضاء المجلس لافشال اقتراح قرار). وسيكون ذلك تعويضا عن الكرامة أكثر من أن يكون تعويضا عن القوة. لكنه يوجد في الحياة الدولية معنى لعلامات فخامة الشأن، وإلا فلماذا يجري صراع على كل منصب لا أهمية له في منظمة هامشية. وتستطيع ايران مثلا الجائعة جدا الى اعتراف بتراثها الحضاري والثقافي، أن تُحلي بهذا الترفيع السياسي مرارة قضية السلاح الذري.
‘يجب ان يكون لاسرائيل اهتمام بهذا الاجراء بشرط ان يوافق الجميع على ان تطور مكانتها هي ايضا فيه بازالة القطيعة الأبدية عن عضويتها في مجلس الامن، ويتم تحليل نشاطها الذري الذي ادُعي انه يجري في السر. لن تكون اسرائيل في زنبقة العالم لكنهم سيدخلونها آخر الامر في نطاق الازهار.

حرره: 
م.م