والحل بمنع وصول الفلسطينيين لاراضيهم

بقلم: عميرة هاس

عرفت فوزي ابراهيم من قرية جالود قبل 15 سنة في تشرين الاول/اكتوبر’ 1998. فقد وقفنا كأننا في جنازة بالقرب من مزرعة غراس اشجار زيتونه التي قطعتها ايدٍ مجهولة. وكانت تلك هي المزرعة الثالثة التي افسدها مجهولون في غضون اقل من سنتين، مرة في 1997 ومرتين في 1998. وكان الحاصل العام نحوا من’ 300 شجرة. في يوم الاربعاء من الاسبوع الماضي اعادتني الى جالود نار التهمت نحوا من 160 شجرة اخرى لابراهيم (من بين 1600 شجرة زيتون له ولعائلته) و240 شجرة اخرى لعدد من العائلات الاخرى في القرية الجبلية الصغيرة، قبل بدء قطف الزيتون بايام معدودة.

ان صوت ابراهيم اليوم هادئ موزون، كما كان آنذاك. فقد عرض الحقائق بلغة موضوعية: في الثامنة والنصف من صباح يوم الاربعاء في التاسع من اكتوبر، سار ابراهيم ابن السادسة والخمسين، بعد عدة عمليات جراحية في قلبه بسبب عيب ولد معه وذبحتين صدريتين في السنين الاخيرة، على قدمه الى هناك ليفحص نضج الزيتون قبل القطف.

سار نحوا من نصف ساعة من بيته الى واحدة من مزارعه. ولم يمضِ وقت طويل حتى لاحظ مجموعة من الاسرائيليين اليهود قد اجتمعوا عند مفرق الطرق بين البؤرتين الاستيطانيتين شفوت رحيل واحيها على مبعدة اقل من كيلومتر واحد عنه. فاسرع الى المغادرة والعودة الى بيته. ووصل الى البيت صوت صراخ في حوالي الساعة الحادية عشرة، وتبين أنه قد اشعلت النار في نفس الوقت الذي كانت فيه مجموعة من الاسرائيليين اليهود تهاجم بحجارة كبيرة المدرسة الابتدائية في القرية، وكان الطلاب المذعورون والباكون مجتمعين في حجرات الدراسة، وكان ذلك يوما حارا بصورة مميزة فارتفعت النيران سريعا نحو الشرق مرتفعة في التلال. وقد قال عسكري لصحيفة ‘هآرتس′ انه في ذلك الصباح خاصة كان يوجد تعزيز لقوات الجيش الاسرائيلي في المنطقة.

بعد ذلك بساعات قال لي ابراهيم انه منذ التقينا في 1998 وقع افساد آخر لاشجاره. وبعد ذلك حتى سنة 2007 منعه الجيش الاسرائيلي ومنع سائر سكان قريته والقرى المجاورة (قريوت، وقسرا وترمسعيا والمغير) من الوصول الى اكثر غراسهم. ومنذ 2007 كان يسمح لهم بالعناية بغراسهم مرتين في السنة فقط، في موسم الحراثة وفي موسم القطف، اياما معدودة فقط وبتنسيق قبل ذلك فقط مع مديرية التنسيق والارتباط الاسرائيلية ومع مصاحبة عسكرية.

قصة جالود تمثل قرى جنوب شرق نابلس

ينبغي أن نقرأ قصة ابراهيم على أنها قصة تعبر عن جالود، وان نقرأ قصة جالود على أنها قصة تمثل قرى جنوب شرق نابلس، وعلى أنها تلخيص لسيرة الجبهة الداخلية الزراعية الفلسطينية في الضفة الغربية في الخمس عشرة سنة الاخيرة. ان الهجمات التي تبلغ الى وسائل الاعلام هي شيء واحد في المسار التدريجي لضياع ارضهم.

ان المنطقة المبنية من جالود والقرى المجاورة تقع في المنطقة ب التي تقع ضمن مسؤولية مدنية فلسطينية ومسؤولية وسلطة امنية اسرائيلية. لكن عشرات الاف الدونمات من الارض الزراعية والارض الصخرية غير المبنية من تلك القرى، استطاع المفاوض الاسرائيلي بموافقة واشنطن (اوسلو ب في ايلول/سبتمبر 1995) ان يثبتها وأن يؤبدها بعد ذلك على أنها المنطقة ج التي تقع ضمن السلطة والمسؤولية الاسرائيلية الامنية والمدنية.

وفي حين اصبح الجيش الاسرائيلي مسؤولا عن الامن،’في 1997، بدأت تغرق المنطقتين ب و ج ومنطقة جالود فيهما، امواج افساد منهجي لاشجار الزيتون في مزارع فلسطينية، وهجمات على زراعيين.

ويتذكر رئيس مجلس القرية عبدالله محمد الحاج، خمسا وعشرين هجمة على الاقل سببت خسائر في الممتلكات والارواح وقعت على سكان جالود منذ عين لمنصبه قبل 15 سنة.’وقد وثقت جمعية ‘يشدين’ (يوجد حكم) ستا وتسعين هجمة من مواطنين اسرائيليين على سكان جالود والقرى المجاورة منذ 1998 الى منتصف 2012، وكانت تشتمل في جملة ما اشتملت عليه على مخالفات عنف واضرار بالممتلكات وافساد للغراس واستيلاء على اراض لاقامة جدران وفلاحة ووضع مبان وشق شارع في قسيمة الارض وابعاد الفلسطينيين او منعهم من الوصول الى اراضيهم.

وتابعت الجمعية التحقيق في ثمان وخمسين هجمة منذ سنة 2005. ومن بين تسعة واربعين ملفا انتهى علاجها اغلق 92 في المئة منه: فقد اغلق واحد واربعون ملفا بسبب ان ‘الجاني غير معلوم’ و’عدم كفاية الادلة’، واغلقت ثلاثة ملفات بعلة انه ‘لا توجد جناية’ واستأنفت جميعة ‘يشدين’ بسبب اغلاقها.

وعالجت جمعية ‘حاخامون لحقوق الانسان’ تسع شكاوى اخرى من هجمات بين السنتين 2008 – 2013 ،اغلقت ست منها. في 2013 فقط قبل الهجوم في التاسع من سبتمبر عالجت جمعية ‘يشدين’ اربع حالات عنف اخرى واشعال نار في جالود.

منذ نهاية سبعينيات القرن الماضي صادرت السلطات العسكرية قسما من الاراضي الخاصة والعامة لهذه القرى وحولتها الى المستوطنتين المرخصتين شيلا وعالي.

وفي نهاية 1991 اقيم على اراضيها البؤرة الاستيطانية الاولى شرق شيلا وهي شفوت راحيل (التي تمت الموافقة عليها الان وحصلت على خطة هيكلية). لكن الزراع الفلسطينيين لا زالوا يستطيعون فلاحة ارضهم التي لم تصادر ولم يعلن انها اراضي دولة. وحينها ثبت ان الحالة يمكن دائما أن تكون اسوأ. وقد زادت امواج الهجمات وطغت في موازاة بدء اتساع ظاهرة البؤرة الاستيطانية. وعلى حسب معطيات ‘السلام الان’، انشئت بؤرة احيها في تموز/يوليو 1997، وعدي عاد في كانون الاول/ديسمبر 1998، وايش كودش في ديسمبر 2000، وهبايت هأدوم (مزرعة يشوف هداعت) في حزيران/يونيو 2002، وكيدا في يونيو 2003، وغيئولات هتسيون في 2012.

ان العملية محسوبة ومنهجية: سيتم أولا تنفيذ المخالفة الادارية بانشاء مستوطنة فرعية من المستوطنة الرسمية الى رخص رسمية. وحينها ينبغي الدفاع عن أمن الاسرائيليين الذين يسكنونها. ولهذا يمنع دخول اصحاب الارض الفلسطينيين الى اراضيهم في الدائرة الداخلية للبؤرة الاستيطانية. وحينها يتجه سكان البؤرة الاستيطانية الى توسيع دائرة السيطرة ويشقون طرقا. وان كثرة الطرق التي تشق تزيد في امكان تهديد الزراع الفلسطينيين.

حظر وصول الفلسطينيين لاراضيهم

منذ 2001 وجد الجيش الاسرائيلي حلا سهلا لحماية الفلسطينيين من الهجمات: فحظر عليهم الوصول الى اراضيهم، التي تقع في الدائرتين الثانية والثالثة لا الى اراضيهم التي هي في داخل البؤر الاستيطانية فقط. وبفضل اغلاق الجيش الاسرائيلي للمنطقة نشأت وأمكن أن تنشأ بؤر استيطانية جديدة.

على حسب التحقيق ‘في مسار السلب’ الذي صدر عن ‘يشدين’ منذ شباط/فبراير في هذا العام، حظر الجيش الاسرائيلي الوصول الى 9937 دونما واستعمالها من بين نحو من 16 الف دونم هي مساحة اراضي جالود.

ولهذا فقد السكان اراضي فلاحتهم وضاعت منهم. ويسمح الان بالوصول مرتين في السنة فقط الى غراس الزيتون فيه. ان الوصول حر الى 5965 دونما، لكنها ارض صخرية في اكثرها الغراس فيها قليلة. ويخشى السكان الوصول الى 319 دونما اخرى خوف التنكيل بهم.

في مقابلة ذلك اخذت تتسع في تلك السنوات الزراعة اليهودية في تلك المنطقة بالضبط، كما وثق في بحث ‘كيرم نبوت’ الذي كتبه درور اتكس.

في ارضي الفلاحة الخاصة التي اغلقها الجيش الاسرائيلي في وجه سكان جالود تحولت 1553 دونما مع الوقت الى كروم عنب في الاساس، والى غراس زيتون ايضا لزراع اسرائيليين يهود.

وحدث في موازاة ذلك مسار آخر، ففي عشر السنوات الاخيرة ترك القرية نحو من أربعمئة من بين الالف من سكان جالود، واكثرهم شباب وانتقلوا ليسكنوا في نابلس ورام الله، بسبب عدم وجود مصدر عيش صاحب فقدان الاراضي. وهذا ما يظهره تحقيق ‘في مسار السلب’، الذي يبحث في الاثار الاجتماعية والبيئية التي كانت لانشاء بؤرة ‘عدي عاد’.

وفي السنوات التي منع فيها ابراهيم من حقه في فلاحة ارضه تماما، وهو خريج قسم الاحياء في جامعة بيرزيت، درس العلوم في مدارس ثانوية في القرى المجاورة.

السلطات لن تجهد نفسها في البحث عن المجرمين

منذ 2007 كانت المحامية قمر مشرقي اسعد مديرة القسم القانوني في جمعية ‘حاخامون لحقوق الانسان’ تعالج الشكاوى من الغزو الاسرائيلي في اراض فلسطينية خاصة اغلقها الجيش الاسرائيلي في وجوه اصحابها.

وكانت القضية الاولى التي عالجتها هي قسيمة ابراهيم التي غرست فيها اشجار زيتون سورية عمرها اكثر من خمسين سنة منعه اسرائيليون يهود من دخولها بالتهديد. ونجحت مشرقي أسعد في اغلاق أربع قسائم في وجوه اسرائيليين من بين عشرين شكوى من سيطرة على اراضي جالود: احداها لابراهيم، وهي تماس القسيمة التي احرقت قبل اسبوع. واغلقت قسيمتان من الاربع في وجوه اسرائيليين بعد أن قطعت كل اشجارها فقط.

في ستة من الملفات اصدرت الادارة المدنية أوامر تعارض سيطرة احيها على اراضي جالود.

ولذلك اتجه المستوطنون الى لجنة الاستئنافات وتجري المداولات في تكاسل. وان ثلاثة من بين الملفات الستة تتعلق باراضي فوزي ابراهيم.

في تسعة من الملفات تزعم الادارة المدنية انها لا تملك الوسائل لعلاج الغزوات لانها قديمة وعمرها اكثر من 15 سنة. وهكذا يمكن أن نفهم لماذا يكون من المهم للمستوطنين والمدافعين’ عنهم ان يوجد تسويف ديمقراطي.

في يوم الاثنين من هذا الاسبوع اتجه فوزي ابراهيم الى مركز الشرطة بنيامين ورفع شكوى اخرى من احراق مزرعته وافساد ممتلكاته، رغم أنه على يقين من ان السلطات لن تجهد نفسها في البحث عن المجرمين كما كانت الحال دائما.

هآرتس