عصيدة قومية ومحرقة ودين

بقلم: أبيرما غولان

وقعت واقعة محرجة في الاسبوع الماضي في ‘يد واسم’، وقت زيارة رئيس وزراء اليونان، أدونيس سماراس. وقد جاء سماراس مثل كل رئيس دولة يزور اسرائيل لأول مرة، لجولة هناك كما كان متوقعا، لكن لم يكن متوقعا أن يفاجئ سماراس مستضيفيه برفضه اعتمار قبعة على رأسه.

كان رد المضيفين ضبط النفس الذي لوحظ فيه التحفظ والشعور بالاهانة جيدا. فقد فُسر رفض رئيس وزراء اليونان بأنه استخفاف بكرامة المكان أو قدسيته وكرامة المحرقة عامة. وهكذا بالضبط ردوا على ذلك في 2005 على رفض رئيس وزراء تركيا القاطع، رجب طيب اردوغان، ولم يمنع الفضيحة آنذاك ايضا سوى أهمية العلاقات بين الدولتين.

‘يصعب أن نفرض أن سماراس، الذي جاء الى هنا بعد أن أخرج الحركة النازية الجديدة اليونانية ‘الفجر الذهبي’ خارج القانون بأيام معدودات، وهو معني بتعزيز العلاقات باسرائيل، كان يقصد المس بكرامتها. وليس من الواضح، في واقع الامر، ما الذي لم يكن معقولا في سلوكه. مع كل الاحترام للسلسلة التي لا نهاية لها من زعماء العالم الذين التقطت لهم صور وعلى رؤوسهم قبعات سوداء لفتيان مدارس دينية من بروكلين، أو قبعات بيضاء لاولاد في حفل البلوغ من كفار سابا، فان مراسم وضع القبعة على رأس الضيف في ‘يد واسم’ غريبة وهي غير حضارية في الأساس.

‘إن اعتمار القبعة، وهو عادة جديدة نسبيا، ليس أمرا توجبه الشريعة اليهودية بصورة صريحة. إن تغطية الرأس بين الناس تعتمد في الحقيقة على قول الحاخام يوسف كارو في كتاب ‘شولحان عروخ’ (مائدة مرتبة) إذ قال ‘ينبغي ألا يمشي شخص مكشوف الرأس′، لكنه لا يوجد أي أمر في هذه القضية سوى تغطية الرأس في الكنيس أو في وقت الصلاة. وكل حاخام سُئل في هذه المسألة في السنوات الاخيرة أجاب بأن الحديث عن ‘نافلة’، أي عن اختيار ضميري شخصي، وأكثر من ذلك عن عمل رمزي يعبر عن تأييد لنهج الحياة الديني. إن القبعة السوداء أو المنسوجة بجميع الألوان والاحجام هي رمز تعريف جمهور يهودي ما، كما يكون القباء رمز تعريف جمهور يهودي آخر. فلماذا يفترض اذا أن يتنكر أدونيس سماراس وهو رئيس دولة الكنيسة اليونانية المسيحية الارثوذكسية فيها من الرموز الحضارية المركزية لقوميتها، مثل مرشد في بني عكيفا؟

إن التعليلات لفرض القبعة على رؤوس الضيوف لا تقل عن ذلك غرابة. فهم في ‘يد واسم’ يقولون إنه لما كان دُفن هناك رماد يهود قتلوا في المحرقة فان المكان يشبه مقبرة، بل إن المؤسسة الحاخامية العسكرية قدست المكان. صحيح أن كل ذلك يبدو منطقيا في العقود الاخيرة، لكن قولوا ما هي صلة الحاخامية العسكرية برماد المقتولين، وأي سلطة لها ‘لتقدس′ متحف التخليد؟ ولنفرض أن المكان أصبح بذلك يعادل مقبرة، فما الذي يلزم شخصا ما بأن يعتمر هناك قبعة، ما عدا وقت الصلاة (وهي عمل يلزم اليهود المقيمين للفرائض فقط، ويدعى آخرون الى اقامته لأجل الصلاة لا لأجل المكان)؟

إن أمر القبعة يعبر اذا عن العصيدة القيمية التي طبختها الثقافة الاسرائيلية، وهي عصيدة يختلط فيها ذكر المحرقة بالقومية والجيش، والرباط الوحيد الذي يؤلف بينها، هو تدين مراسمي جاهل أجوف. يبدو أن اسرائيل فقدت تماما الثقة بقصة حياتها ووجودها، ولولا ذلك ما كانت لتبادر في ‘يد واسم’ خاصة، وهو غير المقدس بيقين لكن المؤثر والمهم على نحو لا مثيل له، الى انتاج ‘قداس′ هوليوودي تضطر ضيوفها الى أن يؤدوا فيه أدوارا تستخف بكرامتهم.

هآرتس