فتِّشوا عن الاحتلال

بقلم: جدعون ليفي

في قلب منطقة الفصل العنصري الإسرائيلي قُتل صاحب مزرعة، فجر الجمعة. كان القتل وحشيا جداً، بقضبان حديدية وفؤوس، ونأمل في أن يفضي المشتبه فيهم الفلسطينيون، الذين تم اعتقالهم، إلى حل لغز ذلك، ومحاكمة القاتلين كما يستحقون. كان ضحيتهم من يسمى "ملح الأرض": فهو ضابط رفيع الرتبة متقاعد كان قائدا لدوريات وتولى قيادة قطاع غزة، وهو ابن عائلة محترمة، وأخ ثاكل وخليل محبوب.

اختار شريه (يايا) عوفر أن يبدأ فصلا جديدا في حياته في غور الأردن، حيث قاتل في شبيبته. وقال إن الدولة طلبت إليه أن يُدخل في الغور "نوراً إسرائيلياً". وسواء كان نورا أم ظلاما فقد أنشأ قرية استجمام (بروش هبكعا)، كُتب في موقعه في الإنترنت: "إن الرؤيا والقيم التي وجهت مؤسس هذا المكان ما زالت تصاحبه الى اليوم وهي إنشاء مكان مختلف ومميز وهادئ وبسيط... مكان يأتي فيه ضيوفنا للقاء أزواجهم ولقضاء وقت مع العائلة والأصدقاء بعيدا عن التلفاز والحاسوب وضجيج المدينة". وعرضت قرية الاستجمام الساحرة هذه بركة سباحة، ومطعما أردنيا فاخرا، ومقصفاً وميداناً اخضر للأولاد؛ ويمكن طلب طعام وشراب وطعام سريع من المقصف إلى البركة. بل يدور الحديث عن "مكان يرفع علم قيمة السلام مع جيراننا، وهو مكان يعيش فيه العاملون من اليهود والعرب في تساوق كأنهم عائلة". ماذا نقول وماذا نقص؟ "بروش هبكعا، الاطمئنان ببساطة".

اجتُث كل ذلك، فجر الجمعة، بضربات الفؤوس، وتحول وهم السكينة الى كابوس القتل، بل تبين أن "قيمة السلام مع الجيران" وهم مضلل. ولا يقل عن ذلك إيهاما الاعتقاد بأن مستوطني الغور مثل يايا – وهم أبرياء من الحماسة المسيحانية، وبلا قبعات دينية ضخمة وشعر أصداغ، وليسوا من فتيان التلال ولا من "غوش ايمونيم" – ليسوا مستوطنين. سميناهم منذ أول استيطانهم "ساكنين"، وأنهم كيبوتسيون وأفراد قرى زراعية رواد، وأنهم مبعوثو حركة العمل التي هي حركة "السلام" الإسرائيلية – ومع ذلك كله فإنهم مستوطنون. فحكم "بروش هبكعا" كحكم "إيش هتوراة"، وحكم "معاليه افرايم" كحكم "معاليه ادوميم"، وحكم "محولا" كحكم "عوفرا"، فكلها مستوطنات وكلها بؤر استيطانية للاحتلال الإسرائيلي.

توجد حول قرية الاستجمام والسكينة الأدلة الأكثر سطوعا على وجود نظام الفصل العنصري في أراضي الاحتلال. فهنا خاصة في الغور الإسرائيلي، غور الإجماع، يوجد الظلم والاضطهاد في أشد صورهما قسوة وصراحة. ويكفي أن ننظر حولنا. يكفي أن نرى الأكوام الترابية التي لا تحصى التي أقامتها إسرائيل لخنق وسجن مجموعات الرُعاة؛ ومئات مكعبات أراضي النيران التي ترمي الى إخافة سكانها وطردهم؛ وحاجز بكعوت وهو من أشدها قسوة، والذي كان يمنع الى وقت قريب وصول الفلسطينيين الى الغور، الى الغور خاصة؛ وأوامر الهدم والقرى الخربة، ورُعاة الضأن الذين بقوا بلا منازل؛ وآلاف البشر الذين يعيشون هنا في بؤس وبلا أدنى قدر من ظروف العيش، فلا يوجد ماء جار ولا كهرباء ولا شارع. ويكفي في مقابل ذلك أن نرى المستوطنات الخضراء وكروم المستوطنين وغراسهم. إنها قصة أصفر – أخضر، أصفر الفلسطينيين وأخضر المستوطنين، وهي قصة سوداء بيضاء للفصل العنصري والتمييز في تقسيم الموارد والترحيل والاضطهاد والسلب.

على بعد رحلة قصيرة عن "بروش هبكعا" يعيش عشرات من سكان حلة مكحول تحت قبة السماء بعد أن هُدمت قريتهم. لا يمكن الاستجمام في "سكينة" وهذا يحدث حولنا؛ ولا يمكن الحديث عن "منظر طبيعي ريفي"، كما فعل مراسل تلفاز منافق في ليل السبت. وتأتي الآن العملية القاتلة لتُذكرنا بالسياق الحقيقي. ومهما يكن غير إنساني فإنه لا يُسوغ أي عمل قتل، لكن من يعتقد أن أصحاب المزارع يستطيعون أن يروجوا الى الأبد لغرف الاستجمام والأعناب والتمور في ارض الفصل العنصري هذه؛ وأن نومهم سيكون مطمئنا هادئا في الوقت الذي يحدث فيه كل هذا حولهم، يعيش في وهم خطير. ومن الفظيع جدا أن هذا الوهم قد فُجر، فجر الجمعة، بأكثر السبل قسوة. ونُذكركم أيضا بأن أصحاب المزارع البيض في جنوب إفريقيا كانوا يعتقدون أن ذلك سيستمر إلى الأبد.