نفي القومية الإسرائيلية

بقلم: رحيل نئمان

إعلان المحكمة العليا – ردا على التماس عوزي اورنان وآخرين – بأن اليوم، مثل الماضي، لم يثبت أنه توجد قومية إسرائيلية، وعليه فلا مكان لتسجيل إسرائيلي في بند القومية، منقطع عن واقع حياة الإسرائيلي الشاب، الذي يهاجر الى برلين لأن غلاء المعيشة في إسرائيل هزمه أو لأن النزعة القومية المتطرفة، والاحتلال، والحروب والإكراه الديني جعلوا الحياة في البلاد مقيتة له. في سجل السكان تجده مسجلا كيهودي، ولكن في جواز السفر هو إسرائيلي، وهكذا هو أيضا يعرف نفسه، إسرائيلي في برلين. الإسرائيليون هم إسرائيليون في خارج البلاد، ولكنهم في إسرائيل يهود أو عرب أو غيرهم. هذه الثنائية يرغب قضاة المحكمة العليا في إبقائها على حالها.

ولكن ما أن قرروا الدخول الى جوهر المسألة، هل الفصل بين المواطنة والقومية هو فصل جدير بنظام ديمقراطي، فإن قرارهم يثير العجب. فالقرار يبدو محافظا وواضعوه يبدون كمن ليسوا مرتبطين بروح الزمن. فالقول انه لا يوجد مخلوق كهذا يسمى قومية إسرائيلية يرتبط على نحو جيد مع قول غولدا مائير انه لا يوجد شيء يسمى شعب فلسطيني. قولها يستخدم حتى اليوم شعارا عدميا لجهات قومية متطرفة لا بد ستنفي أيضا وجود القومية الإسرائيلية. القولان مصابان بالنكران، أما اقتراح المحكمة للملتمسين بالتعلق بقرار سابق أتاح إبقاء بند القومية فارغا، فهو بنفسه فارغ من التصدي للمسألة.

اذا ما أخرجنا المسألة عن التعريفات والتلويات القضائية ينشأ على الفور السؤال المبدئي، ما معنى الأمر في أنه لا توجد "بعد" قومية إسرائيلية؟ ماذا يتوقعون، أي تبلور عجيب سيتم في لاحق الأيام؟ ماذا ينبغي ان يحصل بعد اليوم كي نعترف في أنه في إسرائيل يعيش إسرائيليون؟ فهل ما نشأ هنا مع الزمن ليس فيه ما يكفي كي يثبت هوية إسرائيلية؟ أفليس من الجدير بأن تكون الدولة ملزمة بتسجيل كل مواطن كإسرائيلي وليس كشيء آخر؟ ممَ يخافون؟ هل من أن يختار عشرات آلاف الإسرائيليين تسجيل "إسرائيلي" وان يضعوا "اليهودي" في المكان الثاني؟ هل اليوم أيضا، مثلما قبل 40 سنة، عندما جلس على مقعد أشير غرونيس القاضي شمعون أغرانات، كل لمس لموضوع القومية يستوجب زج الرأس في الرمال؟ هل احتل مفهوم "الإسرائيلي" مكان مفهوم "الفلسطيني" وهو اليوم يعتبر لغما يجب تجاوزه؟

ان قرار المحكمة يدعم الثلاثي المقدس للقومية، العرقية والدين. هذا الثلاثي يحمي، زعما، اللباب العزيز لإسرائيل كوطن للشعب اليهودي، ولكن حتى لو سجلت الدولة كل المواطنين كإسرائيليين، فإن إسرائيل ستبقى الوطن للشعب اليهودي وكذا ألوان العلم لن تبهت. قانون العودة لن يتضرر من هذا التغيير، ولكن ربما في أعقابه سيلغى التعديل لقانون المواطنة، الذي يمس بالأقلية في إسرائيل، ويفتح الباب لتشريع قوانين مواطنة مثلما في كل دولة سليمة. مثل هذه الثورة المدنية ستساهم في تطبيع مفهوم المواطنة في الدولة وينبغي الأمل في أن تخفض مستوى القومية المتطرفة وربما تساهم في تحقيق تسوية بيننا وبين الفلسطينيين. ومثلما ثبت في العديد من الاستطلاعات، فإن أغلبية الإسرائيليين مستعدون لأن يتخلوا عن المناطق مقابل التسوية، ولكن الكثيرين ممن يرون أنفسهم قبل كل شيء كمواطنين للقومية اليهودية، وفقط في المكان الثاني كمواطنين إسرائيليين، لن يتخلوا بسهولة عما وعدوا به في الطابو التوراتي.

 

هآرتس