إشارات بني غانتس: الحرب القادمة

بقلم: عاموس هرئيل
الخطاب الذي سيذكر بأنه الخطاب الأهم في ولايته القاه هذا الأسبوع رئيس الأركان، بني غانتس أمام قاعة شبه فارغة في جامعة بار ايلان. بعد يومين من استغلال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو المنصة في المؤتمر العشرين لمركز بيغن – السادات لإظهار التصلب بلا هوادة في كل المسائل المركزية، من التهديد الإيراني وحتى الساحة الفلسطينية، حاول غانتس ان يرسم وجه الجيش الإسرائيلي والحرب المستقبلية بعد عقد أو اكثر. 
كان هذا خطابا طموحا. يخيل ان غير مرة مر في ذهن المستمعين السؤال: من أجل ماذا نحتاج الى ذلك؟ كان يمكن بسهولة تفسير أقوال رئيس الأركان كمحاولة للتخويف. 
هذا ليس مفاجئا على ما يبدو في أن صحف الغداة أطرتها كسيناريوهات رعب. كان هناك حتى من ربط الخطاب بالصراع الدائر على ميزانية الدفاع. 
يكثر رؤساء الأركان في إسرائيل من الخطابة علنا، ولا سيما عندما تقترب ولاياته من نهاياتها. وبشكل عام تنقسم خطاباتهم الى نوعين: أقوال في مناسبات رسمية (احتفالات تخليد، أيام ذكرى ومواعيد وطنية)، كلها أطياف تقوم أساسا على رسائل رسمية صيغت في جوهرها حتى قبل ان يجند رئيس الأركان القائم للجيش الإسرائيلي؛ وخطابات "استراتيجية" يستعرض فيها رئيس الأركان بنبرة متشددة المخاطر في الساحة حول إسرائيل ويحذر من المس بالميزانية ما سيضعف قوة الجيش الإسرائيلي. 
أما غانتس فاتخذ طريقا مختلفا، فقد قال لمستمعيه انه يأمل ان يغفروا له اذا لم يطلعهم على ما سماه "الانتقال التقليدي على التغييرات في كل ساحة وفي كل دولة مجاورة". وبدلا من ذلك، اكتفى بتلخيص بعض الميول الاستراتيجية. فقد وصف الشرق الأوسط بأنه يعيش في "عدم استقرار ثابت" شوش تماما النظام الإقليمي. وأحصى غانتس التغييرات بإيجاز: إسقاط نظام مبارك حيث إن "الرئيس الذي تلاه أيضا لم يعد ذا صلة". القطيعة بين غزة ومصر بعد الانقلاب العسكري في القاهرة، عزل قيادة "حماس" في القطاع، ونشوب تهديد الإرهاب في سيناء. ونتيجة التغييرات المتواترة هي "أننا لا نعرف كيف نتعهد مسبقا بأن ينتهي اليوم الذي بدأ لتوه". ومن جهة أخرى أحصى أيضا التطورات الكفيلة بأن تظهر كتطورات إيجابية: الاتفاق على إخراج السلاح الكيميائي من سورية، إمكانية المفاوضات الدبلوماسية لعقد صفقة مع إيران على البرنامج النووي، تسوية محتملة مع السلطة الفلسطينية. هذه الميول، قال غانتس، يمكنها أن تؤدي "الى ما وصفه أعظم مني في ظروف أخرى – شرق أوسط جديد" (في هذه المرحلة يخيل أنه سجلت حركة عدم ارتياح في القاعة). 
إسرائيل، حسب غانتس، تنتقل من محيط لأنظمة تؤدي دورها الى التصدي لدول تتفكك الى عناصر فرعية، "أشباه دول ولكن ذا قدرات تنفيذية كبيرة". في مثل هذا المجال سيتعين عليها أن تحاكم جيرانها وخصومها حسب الأفعال والنتائج وليس حسب التصريحات والنوايا أو على حد قوله حسب "اختبار الأفعال" وليس جمال الفاعلة". وسيقع تغيير تدريجي في مزايا القتال. وسيواجه الجيش الإسرائيلي عدوا ذا قدرة متطورة، متناثر ومموه، يعمل من خلال ظهر السكان المدنيين. 
لقد اختار رئيس الأركان أن يركز على ما وصفه باللقاء الاستراتيجي مع الواقع: "كان بودي أن أروي لكم عن الصباح الأول للحرب التي سيلتقي بها رئيس الأركان المستقبلي. ولعله اليوم لا يزال قائد فرقة. بعد عشر سنوات أو ربما بعد سنتين – ثلاث سنوات، سيفتح عينيه بعد عدد غير كبير من ساعات النوم، من مكالمة مدير المكتب في الساعة الرابعة صباحا. ما الذي سيقوله رئيس المكتب؟ المعركة التالية، حسب غانتس، قد تبدأ بنار صاروخ دقيق، يضرب مبنى هيئة الأركان في وزارة الدفاع في تل أبيب، بهجمة إلكترونية تشل الخدمات اليومية للمواطنين من الإشارات الضوئية وحتى البنوك. في نفق متفجر يؤدي الى انهيار روضة أطفال أو في هجوم لجموع عربية على بلدة إسرائيلية قرب الحدود. 
وفصل رئيس الأركان سيناريو في ساحة محددة، ويبدو أن ليس بالصدفة: عملية على الحدود في هضبة الجولان، التي تنتقل بالتدريج بعد نحو 40 سنة من الهدوء المطلق الى عدم استقرار مقلق. وحسب السيناريو الافتراضي الذي وصفه، فإنه سيتم تفجير عبوة جانبية، وسيطلق صاروخ مضاد للدبابات نحو دورية على طول الجدار، في صيغة تذكر بهجوم "حزب الله" في بداية حرب لبنان الثانية في 2006. سيختطف ثلاثة جنود، أحدهم قائد كتيبة. منظمة جهادية ما – مما قيل يفهم بأن هذه منظمة سنية تستلهم من القاعدة – وهي التي ستعلن المسؤولية عن العملية. 
ولكن ليس مثلما في 2006، فإن العملية في ساحة واحدة ستشعل النار في معظم الحدود في "معركة متعددة الجبهات وفورية". "حزب الله" سيطلق الصواريخ نحو الجليل، منظمات الجهاد ستواصل محاولات التسلل في الجولان (غانتس لا يشرح كيف ولماذا ستنسق المنظمة الشيعية الأعمال مع منظمات سنية، في الجانب الآخر من المتراس في النزاع العربي). دقة الصواريخ ستزداد، "واذا ما اختار "حزب الله" ضرب هدف موضعي، ففي كل إسرائيل تقريبا، سيعرف كيف يفعل ذلك". وستطلق الصواريخ نحو ايلات. مئات من نشطاء "حماس" سيهاجمون حواجز الجيش الإسرائيلي على حدود القطاع. 
والى جانب المعركة على الحدود، التي ستؤثر بشكل شديد أيضا على الجبهة الإسرائيلية الداخلية، يعتقد رئيس الأركان بأنه "ستعربد معركة إلكترونية هائلة ستؤثر ليس فقط على المنظومات العسكرية بل وعلى المنظومات المدنية أيضا". ستكون هذه حرب "شبه مكشوفة"، وذلك لأن الإعلام في الطرفين سيغطيها بكثافة في الزمن الحقيقي. وستحاول إسرائيل ولكنها لن تستطيع الامتناع تماما عن إصابة مدنيي العدو – وكل حدث قتل كهذا سيشجع إجراءات نزع الشرعية ضدها في العالم وطلبا دوليا لوقف أعمال الجيش الإسرائيلي فورا. وحرص غانتس هنا على أن يسجل ملاحظة في الطابو: "واقع النار التي سنقف حيالها لا تسمح أحيانا التمييز الكامل بين المواطن والمخرب، وهذا التشويش سيجد تعبيره في نتائج غير مرغوب فيها على المستوى العملياتي والتي تشكل لأسفنا جزءاً لا يتجزأ من الحرب". وفي زمن ما في المستقبل سيضطر خليفته الى أن يحسم في المعضلة التي بين "شدة النار التي سيستخدمها ردا على الهجوم في مواجهة خطر التدهور الى حرب شاملة".
في ضوء الضرر الشديد الذي سيلحق بالجبهة الإسرائيلية والضغط الدولي لوقف النار "من اللحظة التي تنشب فيها الحرب تنقلب ساعة الرمل. دولة اسرائيل تدفع الثمن بالدماء، بكل معنى الكلمة، على كل ساعة يستمر فيها القتال. والساعة تستوجب من الجيش الإسرائيلي العمل بسرعة". في الخلفية، كما تحدث غانتس في مكان آخر، يحوم توقع متعاظم في الجمهور الإسرائيلي "بنصر سريع وواضح. 
وحيال هذه التهديدات المتوقعة يبنى الآن رد تنفيذي. عمليا، عرض غانتس في المحاضرة صيغة موجزة، غير سرية، لوثيقة بلورها مؤخرا، ووزعت على الضباط الكبار وعنوانها "الجيش الإسرائيلي 2025". وهذه هي خلاصة الإصلاح الذي يتخذه الآن الجيش الإسرائيلي في الجيش في ضوء ارتباط سياقين: التغييرات الإقليمية التي ذكرها واضطرارات الميزانية التي لا تسمح للجيش الإسرائيلي بأن يفحص ويطبق ببطء التغييرات اللازمة. ويرى غانتس في التوقيت الحالي فرصة وضرورة لإدخال تعديلات، في ظل تقليص حجم القوات في بعض الوحدات، تغيير مبنى القوة وتقليص كلفة العيش الجاري. ويشدد رئيس الأركان على حاجة الجيش للتجرؤ على التغيير، على أن يعمل ذلك بمسؤولية. 
وأبرز غانتس، في الوثيقة وفي الخطاب، أهمية الحفاظ على قدرة المناورة البرية للجيش الإسرائيلي. ولكنه شدد على الميزة في وسائل أخرى، كثيرة التكنولوجيا: أولا وقبل كل شيء سلاح الجو والى جانبه قدرة الاستخبارات المحسنة، القتال الإلكتروني واستخدام النار الدقيقة من البر ومن البحر. والى جانب ذلك الحاجة الى تعزيز الدفاع، ليس فقط في الإلكترونيات ومنظومات التحصين للمركبات مثل "سترة الريح" لدبابات "مركفاه"، بل بالأساس في منظومات اعتراض الصواريخ والمقذوفات الصاروخية، من "حيتس" وحتى القبة الحديدية. والرد العملياتي على التهديدات منوط بتحسين "الشبكة": نقل المعلومات من جملة وسائل الجمع والمصادر الاستخبارية، الرقابة على عمل القوات والعلاقة المباشرة بينها – الطيار قائد السرية. الطائرة بدون طيار والسفينة اللتان ستتبادل المعلومات والمهام. هما اللذان سيشخصان ذات الأهداف، وستنضم الى القتال في المستقبل كميات من "الأدوات الأوتوماتيكية، الروبوتات، في الجو وفي البحر وربما أيضا في البر". 
هذه رؤيا مثيرة جدا للانطباع، تطبيقها منوط بالشكل الذي ستتخذ فيه القرارات في القيادة السياسية والأمنية، وفي المشاكل التي ستعلق فيها إسرائيل في السنوات القادمة، سواء بمبادرتها أم كنتيجة لأعمال خصومها.
رئيس الأركان، في خطابه، تناول حربا اخرى كحدث شبه مسلم به، توقيته فقط غير معروف. وامتنع عن الحديث عن إمكانية اندلاع القتال بسبب خطوة تبدأ بها إسرائيل، رغم ان هذا هو الأمر الذي حصل في الحملتين الكبيرتين الأخيرتين في غزة "الرصاص المصبوب" و"عمود السحاب" (كما يمكن حتى الادعاء بان لبنان 2006 ما كانت لتعرف كحرب لو قررت حكومة أولمرت تأخير رد فعلها على اختطاف الجنديين الاحتياط). وبرز أيضا القسم الهامشي نسبيا الذي أدته إيران في سيناريو الحرب الذي رسمه غانتس.

هآرتس