فـكـرة الـدولـتيـن لـم تـعـد مـمكـنـة

بقلم: شمعون شيفر

في هذا الأسبوع، كما ورد، استقر رأي فريقي التفاوض الاسرائيلي والفلسطيني على تعجيل ايقاع المحادثات حول التسوية الدائمة وعلى اللقاء مرتين في الاسبوع. وحددت الادارة الأميركية تسعة أشهر حتى إنهاء التفاوض مع التزام المشاركين في المحادثات على الحفاظ على سريتها.

وأقول: بيننا، إن هذا اضاعة للوقت. فلن يستخلصوا من هذه الليمونة حتى قطرة عصير واحدة.
كان يكفي أن نستمع، الأحد الماضي، لخطبة رئيس الوزراء نتنياهو في جامعة بار ايلان التي أعلن فيها أنه لن ينشأ اتفاق مع الفلسطينيين ما لم يعترفوا بأن اسرائيل دولة يهودية؛ والى أبو مازن الذي رفض في لقاء مع الاسرائيليين في رام الله امكان أن تفضي المحادثات الى اتفاق بيني بعيد الأمد. وبيّن الزعيم الفلسطيني أنه لا يقبل سوى دولة فلسطينية في حدود 1967.
يجب ألا تكون ذبابة على الحائط في الغرفة التي يجلس فيها فريقا التفاوض برئاسة تسيبي لفني وصائب عريقات كي تخلص الى استنتاج أن الفروق بينهما لا يمكن جسرها. فقضية الحدود وحق اللاجئين في العودة وكون القدس الشرقية عاصمة فلسطين ووضع قوات دولية في غور الاردن واخلاء المستوطنات – كل ذلك يقف سورا حصينا في طريق الاتفاق.

جُر نتنياهو حتى منذ فترة ولايته الاولى لرئاسة الحكومة الى إجازة الاتفاقات التي وقع عليها أسلافه مع الفلسطينيين. وهكذا كانت الحال فيما يتعلق بالموافقة على اتفاقات اوسلو، وهكذا كانت في ولايته الثانية حينما نطق بالكلمات الشيفرية "دولتان للشعبين". وبرغم أنه لم يؤمن لحظة واحدة بصورة الحلول التي تحدث عنها، لم تكن عنده الشجاعة لتحدي المجتمع الدولي وعرض حل آخر للصراع الاسرائيلي- الفلسطيني. إن نتنياهو فعل ما يعرفه جيداً، فقد حمل على عجلة "الدولتين" شروطا لا يقبلها العقل عالما أن الطرف الآخر سيرفضها.

منها مثلا الاعتراف بأن اسرائيل دولة يهودية. لم يكن مناحيم بيغن الراحل، اذا أردنا التعلق بشجرة عالية، ليخطر بباله أن يطلب الى شخص ما أن يعترف بأن دولتنا دولة يهودية. وكان بيغن لو كان حيا سيقول مع كل الاحترام، نحن لا نحتاج الى اعتراف أحد. فنحن الدولة اليهودية. ولم يخطر ببال بيغن ايضا أن يوافق على انشاء دولة فلسطينية الى جانب اسرائيل. فقد داوم على الحديث عن "ادارة ذاتية للفلسطينيين" – أو حكم ذاتي في اراضي "يهودا" و"السامرة" وقطاع غزة.

وهناك قضية اخرى يحبها نتنياهو وهي دولة فلسطينية منزوعة السلاح. ومن المؤسف جدا أن الفلسطينيين وجدوا السلاح الذي لا يوجد أفضل منه والذي أضر بنا في الماضي ضررا شديدا مزعزعا أكثر من كل سلاح آخر وهو يسحب البساط من تحت أقدام هذه الدعوى، ليس ذلك هو الصواريخ بل "المخربون الانتحاريون"". فالحديث يدور عن وسيلة غير محدودة أوجبت على اسرائيل أن تعاود السيطرة على اراضي الضفة كي تمنح مواطنيها الحماية، وأضرت بروحنا المعنوية الوطنية أكثر من اطلاق القذائف الصاروخية من غزة. فلو أن نتنياهو كان زعيما حقيقيا لا مُصدر خطب مسلسلة يعظ الطرف الآخر لكان يجب عليه أن يقترح شيئا آخر جديدا جريئا. وقد أصبح من الواضح تماما اليوم – لا بحسب تصور نتنياهو العام فقط – أن فكرة الدولتين غير قابلة للتحقق ولم تعد ممكنة. فلتمكين الكيانين – الاسرائيلي والفلسطيني – من أن يوجدا واحدا الى جانب الآخر، يجب أن توجد صيغة تحافظ على اسرائيل دولة ديمقراطية من جهة، وتضمن الحقوق الأساسية للفلسطينيين من جهة اخرى.

وهكذا نقترب من اللحظة التي ستضطر فيها الولايات المتحدة الى أن تضع على الطاولة اقتراحا قد يجعل اسرائيل تواجه المجتمع الدولي وجها لوجه. وستتلقى اوروبا بتشجيع من الأميركيين الضوء الاخضر لضرب اسرائيل، ولن يستطيع نتنياهو آنذاك أن يكتفي بخطبة تشرتشلية اخرى. واذا لم يقترح نتنياهو في خطبته التالية في بار ايلان شيئا جديدا يُخالف خطابته المعروفة فان الذي سيبقى من فترات ولايته الثلاث لرئاسة الوزراء هو الخطب التي ستجد مكانها في مزبلة التاريخ.
وسنبقى نحن مع واقع نازف أبدا.