لا تخففوا العقوبات عن ايران

بقلم: عاموس هرئيل

تقوم اسرائيل الآن بمعركة دبلوماسية ترمي الى الطمس على نجاح ‘هجوم سحر’ رئيس ايران حسن روحاني في زيارته للامم المتحدة في الشهر الماضي. فبعد خطب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الحازمة، يحصر وزير الدفاع موشيه يعلون عنايته الآن في محاولة اقناع الامريكيين بعدم التمكين من تخفيف العقوبات على ايران، قبل أن تُكبل طهران باتفاق مُلزم يوقف بصورة قاطعة برنامجها الذري. وفي الخلفية تسير اسرائيل في مجلس النواب نحو هدف أكثر طموحا وهو تشديد العقوبات، وهذه خطوة قد تفضي الى مواجهة مع ادارة اوباما التي تعارض ذلك في هذه المرحلة.

قال يعلون بعد انتهاء لقاء ليلي (الثلاثاء) مع مضيفه وزير الدفاع تشاك هيغل، إن ‘كل تخفيف للعقوبات سيفضي الى انهيارنا. يوجد غير قليل من الانتهازيين الذين سيُفرحهم الدخول في نشاط أعمالي مع الايرانيين بصورة تخفف جدا الضغط الاقتصادي من جهة، وتُمكّنهم من جهة اخرى من الاستمرار في التخصيب. ويجب منع ذلك. ولا يجوز السقوط في هذا الشرك، أعني تخفيف العقوبات لأجل خطوات تبني الثقة، قبل أن تُحرز الشروط التي عُرضت على الايرانيين’.

واجتمع يعلون أول أمس ايضا مع روبرت مننديز، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الامريكي. إن مننديز وهو ديمقراطي من نيو جيرسي، من أبرز اصدقاء اسرائيل في تل الكابيتول، وهو ايضا أحد اللاعبين المركزيين في قضية العقوبات. فقانون كيرك مننديز الذي رتب جزءا من العقوبات، والذي كان هذا الشيخ واحدا من المسؤولين عن إجازته قبل سنتين (كان شريكه في القانون هو مارك كيرك، وهو جمهوري من إلينوي) يعتبر في نظر كثيرين الوسيلة الأشد فاعلية التي استعملتها الولايات المتحدة على برنامج طهران الذري.
تفضل اسرائيل أن يكون تجديد المحادثات الذرية بين القوى الكبرى الست والايرانيين في يوم الثلاثاء القادم في جنيف مصحوبا بتشديد آخر للعقوبات، بواسطة توسيع مبادرة كيرك مننديز الأصلية. ويبحثون في مجلس الشيوخ في جملة ما يبحثون تشديد الخطوات على النظام المصرفي الايراني والقيود على التجارة بالمعادن (الذي يستعمله الايرانيون بديلا عن التجارة بالدولارات المقيد بسبب الخطوات التي استعملها عليهم المجتمع الدولي).

ويعتقد الاسرائيليون الذين يزعمون رسميا أنهم يمتنعون عن التدخل في نشاط مجلس النواب الامريكي أنه يجب تشديد العقوبات اذا تبين أن ايران مستمرة في تخصيب اليورانيوم، في حين تُجري التفاوض. وفي مقابل ذلك قالت فندي شيرمان، وهي مسؤولة كبيرة في وزارة الخارجية الامريكية، مسؤولة عن الاتصالات بايران والعناية بالعقوبات، قالت قبل اسبوع للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، إن الادارة الامريكية تعتقد أن عدم تشديد العقوبات قبل جولة المحادثات المخطط لها أفضل.

بل أشارت شيرمان اشارة خفية الى أنه سيوجد مكان ليوزن فيه اسقاط بعض العقوبات بعد ذلك اذا عرض الايرانيون تنازلات في الاتصالات. وازاء الجو الايجابي الجديد في العلاقات بين الولايات المتحدة وايران، الذي كانت ذروته المكالمة الهاتفية بين الرئيس باراك اوباما ونظيره روحاني، يصعب أن نرى كيف ستؤيد الادارة جولة عقوبات اخرى في مجلس النواب بعد المحادثات في جنيف ايضا.

تدخل اسرائيل هنا حلبة حساسة، في وقت أصبح اشكاليا بصورة مميزة مع الازمة بين الرئيس وخصومه الجمهوريين، التي أفضت الى شلل عمل الادارة في واشنطن. من المؤكد أنه يمكن أن نرى منطقا في التوجه الاسرائيلي المتشدد نحو ايران، بسبب المرات الكثيرة التي ضللت فيها ايران الغرب في الماضي. لكن سلسلة تصريحات نتنياهو الصارمة من الجمعية العمومية الى خطبته في مؤتمر مركز بيغن السادات في جامعة بار ايلان هذا الاسبوع تُحدث انطباع أن تل ابيب غير مستعدة تقريبا لتزن مصالحة ما مع ايران.
تصرف رئيس الوزراء في الماضي في واشنطن مثل فيل في دكان خزف، وعظ اوباما أمام عدسات التصوير (في لقاء سُمي ‘درس التاريخ’ قبل بضع سنوات)، وبعد ذلك في التدخل السافر الذي نُسب الى ناسه لمصلحة الجمهوريين في الانتخابات الاخيرة لرئاسة الولايات المتحدة قبل سنة.

وقد تحسنت علاقات نتنياهو باوباما تحسنا ما في زيارة الرئيس للبلاد في آذار/مارس الاخير، لكن سيكون من السهل جدا أن تتدهور من جديد اذا أصبحت اسرائيل تُرى الآن متجاوزة لقواعد اللعب في تل الكابيتول. فما تزال المذكرة في البيت الابيض مفتوحة.

رغم أن اسرائيل الرسمية تبذل هذه الايام كل جهد للحفاظ على الخيار العسكري امكانا واقعيا ازاء طهران، يبدو أن أحداث الاشهر الاخيرة غيرت تماما ترتيب الأولويات الدولية. لا يهم كم مرة يذكر رئيس الوزراء في خطبه امكانية أن تعمل اسرائيل وحدها، لأن التباحث يجري الآن في المجال بين العقوبات والمصالحة، أو بعبارة اخرى: إن السؤال أية تنازلات يمكن أن تُستخلص من ايران بمساعدة العقوبات التي جعلت اقتصادها يركع تقريبا.

إنهم في تل ابيب يدركون الآن، ربما أكثر من مرات سابقة، كامل معنى عملية عسكرية مستقلة في ايران اذا تمت خلافا لرأي الولايات المتحدة. قال مسؤول كبير سابق في جهاز الأمن أدى في السنوات الاخيرة دورا مركزيا في العلاقات بين الدولتين، قال في هذا الاسبوع لصحيفة ‘هآرتس′ إن هجوما اسرائيليا بعد تسوية بين القوى الكبرى وايران وبخلاف رأيها بحجة أن المصالحة غير كافية يشبه ‘عملية انتحار استراتيجية’.

ما زالت الفروق بين الولايات المتحدة وايران كبيرة، ولا يمكن عقد جسر فوقها في جولة المحادثات القريبة، لكن الجو العالمي الحالي سيجعل عملا عسكريا مستقلا لاسرائيل صعبا، بل إن الشخص الذي سيضطر الى تنفيذ هذا الهجوم اذا تلقى توجيها رئيس الاركان بني غانتس قد ذكر في هذا الاسبوع في خطبة في المؤتمر في بار ايلان تجديد الجهد الدبلوماسي في ايران الى جانب الجهد لنزع السلاح الكيميائي في سورية، بأنهما توجهان اقليميان ايجابيان قد يُفضيان في سيناريو متفائل: الى ما سماه من هم أعظم مني في ظروف اخرى ‘شرق أوسط جديدا’.