الإنجاز الأعظم للحاخام عوفاديا يوسف

بقلم: عوزي برعام

طوفان الكليشيهات والمدائح جعل تحليل قصة صعود الحاخام عوفاديا يوسف مفهوما من تلقاء ذاته. فحينما يسمي المواطن رقم 1 الحاخام "استاذي وحاخامي" – وهو لم يكن كذلك بالنسبة إليه – فان ذلك يُثبت كآلاف الاثباتات أمر الجنازة الجماعية والحزن العظيم اللذين جعلا كثيرين يخرجون عن أطوارهم في المدح والاطراء.

كانت صفات التكريم التي غمرت الحاخام – لعبقريته الروحية وفتاويه المستنيرة وقيادة حركة شاس – تجلية لواقع حقيقي لم يحدث من العدم؛ وكان يغلي تحت السطح في أحياء القدس الى أن أصبح جسما حياً.

في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي بل بعد ذلك ايضا كانت الحاخامية السفرادية بمثابة لاعبة ثانوية غير مهمة ومطيعة للحاخامية الاشكنازية. وقد أرسل الحاخامون السفراديون أبناءهم للدراسة في مدارس دينية لتوانية مثل "يشيفات حبرون" وطوروا صلة نفسية عميقة بعالم التوراة اللتواني.

في ذلك الوقت كان الحاخام يوسف يعمل في كتبه، وحظي بأن يُنتخب الحاخام الرئيس لإسرائيل، لكنه لم ينقطع عن تفقد أحياء القدس. وكانت مواعظه في مدرسة "بورات يوسف" الدينية هناك للرجال المشغولين بأعمالهم كثيرا وللنساء المُعسرات الذين وجدوا عزاء وأملا في كلام الحاخام. وقد جربت ذلك بنفسي حينما تعاونا على اختيار الحاخام بتسلئيل زولتي ليكون حاخام القدس الرئيس بازاء المرشح الثاني الحاخام ليئور المتطرف الذي كان يحظى بدعم الحاخام كوك. وبعد الاختيار تحدثت الى الحاخام يوسف في مكتبه وأعطاني كتابا كتبه هو. وطلبت أن يكتب إهداء إلى حماتي آنذاك وهي امرأة من أصل حلبي امتلأت بمشاعر السعادة والفرح حينما أعطيتها كتابا وقع عليه الحاخام الجليل بيده.

في بداية ثمانينيات القرن الماضي، حينما أراد الحاخام فترة ولاية اخرى حاخاما رئيسا ولم تُعط له، انشأ مع مجموعة من المقربين حركة شاس استعدادا للانتخابات المحلية لبلدية القدس في العام 1983. وكان انشاء الحركة حدثا حريديا مشحونا بالاختلاف لأن "أغودات يسرائيل" رأت نفسها أنها الوحيدة الوكيلة على الحريدية المقدسية واضطرت مُرغمة الى أن تُقاسم الحركة السفرادية الجديدة قوتها. ولم يشعر أحد بالجمر المتقد الذي كان يملأ طريق الحاخام يوسف وحزبه، وجاءهما بأربعة نواب في بلدية القدس.

أصاب الانتخاب القيادة المدنية بالدهشة، وأصبحت "شاس" شريكة تيدي كوليك في قيادة المدينة. وأفضى التشجيع الذي حصل عليه الحاخام يوسف ومعه الحاخام بيرتس وآخرون الى انشاء "شاس" ليصبح حزبا قطريا، ونافس في انتخابات الكنيست في العام 1984 وحصل على أربعة نواب أفضوا الى انشاء حكومة التناوب بين شمعون بيريس واسحق شامير. وما كان الحاخام يوسف ليتجرأ على فعل هذه الاجراءات التي أضرت بقيادة اليهود الغربيين لولا أن اشتهر علمه بين الملأ ولولا أن بدأ الحاخامون الغربيون الاسطوريون يعترفون بأنه سلطة توراتية عليا لم يكن قد نشأ مثلها حتى ذلك الحين بين اليهود الشرقيين.

كان التوسط بينه وبين آريه درعي، الذي خطا بحزبه نحو الأعلى ،كاملا في حينه. وكان زعيما سياسيا يستمد سلطته من حاخام جليل لا اعتراض عليه. وأمكن أن يتم تحفظ الحاخام على درعي بعد قرار الحكم وإبعاده عن صفوف "شاس" على يد سلطة لا اختلاف فيها، فقط.

يمكن من بُعد زمني أن ننتقد حركة شاس بسبب الفساد الذي انتشر فيها، وادارة ظهرها لعالم التجنيد للجيش والعمل، بإزاء عالم الدراسة والحفظ. لكن ميزة الحاخام يوسف كانت بأن بث الشجاعة والايمان في جموع اليهود الشرقيين وأنهم لا يقلون عن إخوتهم المتعمقين في الدراسة من اليهود الغربيين، وأنهم قادرون على أن ينشئوا لهم قيادة روحية عظيمة في التوراة تخطو بهم من منزلة جمهور مظلوم دوني الى جمهور ذي ثقة بالنفس مستعد ليكون جزءا من القيادة الوطنية.

 

هآرتس