كازينو طوني بلير والسلطة الفلسطينية

بقلم: عميره هاس

هل جعل يوفال شتاينيتس نفسه مسخرة حينما اشتكى في جلسة ممثلي الدول المانحة للسلطة الفلسطينية من أن محمود عباس لم يندد باللغة العربية بقتل الجنديين تومر حزان وغال كوبي؟ هذا على كل حال ما تزعمه وكالة الأنباء الفلسطينية "معاً" في تقريرها عن الجلسة الدائمة للجنة المختصة بتنسيق المساعدة للشعب الفلسطيني التي عُقدت يوم الاربعاء الماضي في مبنى الامم المتحدة في نيويورك.

الحقيقة أنه يصعب أن نتخيل المسؤولين الكبار الذين يؤلفون هذه اللجنة الدولية، كوزير الخارجية الاميركي جون كيري، ووزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي كاثرين آشتون، وممثل الرباعية طوني بلير ووزير الخارجية النرويجي آسفان بارث إيد، ويتجرأون على الضحك علنا من الكلام الذي يقوله مندوب حكومة اسرائيل. ويصعب أن نتخيلهم ايضا يفكرون في الجواب المناسب: "فهل ندد السيد بنيامين نتنياهو بالعبرية أو بالانجليزية بقتل عودة دراويش، وسمير عوض، وصالح العامرين، ولبنى الحنش، ومحمد عصفور، ومحمود التيتي، وعامر نصار، وناجي البلبيسي، ومعتز الشراونة، ومجد أبو شهلات، وروبين زايد، ويونس الجحجوج، وجهاد أصلان، وكريم صبيح، واسلام الطوباسي، في هذا العام؟ وهل ندد بالعبرية وبالانجليزية بكل واحدة من الهجمات الـ 276 التي نفذها مستوطنون على فلسطينيين منذ الاول من كانون الثاني 2013؟ وهل صدر عن رئيس الدولة شمعون بيريس شيء يتعلق بهدم 527 مبنى سكنيا وغيرها واقتلاع 862 فلسطينيا من بيوتهم منذ بدء السنة على يد الجيش الاسرائيلي والادارة المدنية؟".
ليس القتلى والتنديد مما فوض الى هذه الحلقة السياسية الاقتصادية الدائمة التي تم تأسيسها في الاول من تشرين الاول 1993 لتكون جزءا من مسار التفاوض بين اسرائيل والفلسطينيين. وكان يفترض أن تصاحب المسار حتى سنة 1998 لا غير وهو موعد انشاء الدولة الفلسطينية – هل تذكرون؟ في السنوات الاولى لانشائها أثارت كل جلسة لهذه اللجنة وكل خطبة ضجيجا اعلاميا. وقبيل كل جلسة نشرت تقارير عن التطورات وعدم التطورات الاقتصادية. وكل جسم وتقريره الخاص: البنك الدولي وصندوق النقد ومكتب المنسق الخاص لشؤون مسيرة السلام في الامم المتحدة، وقسم التجارة والتطوير في الامم المتحدة (يو.إن.سي.تي.إي.دي)، والسلطة الفلسطينية (أو باسمها الحالي دولة فلسطين).
ارتفع الانتاج الوطني الخام الفلسطيني أو انخفض، وازدادت البطالة أو قلت، وحسنت السلطة الفلسطينية جباية الضرائب ويجب أن تحسن أكثر، وقطاعها العام متضخم، والقطاع العام تضاءل، ويجب المضاءلة أكثر، ويجب على حكومة اسرائيل أن تزيل القيود التي تفرضها، ويجب على السلطة أن تحسن جباية الضرائب، وتستحق سلطة العملة الفلسطينية كل مدح. وورد ايضا في كتاب الدعاية الاسرائيلي الذي خصص لجلسة الدول المانحة – والذي يصبح عندنا احيانا عناوين صحفية ذات صدى – أن حكومة اسرائيل طورت وتحسن، وأن حكومة اسرائيل تقدم بوادر حسنة.
كانت عشرون سنة من لقاءات التنسيق، وتبدو التقارير وكأنها نسخت من السنة السابقة مع تغيير التاريخ فقط. لكن لا – فالمعطيات تتغير وهي تشير بصراحة الى تدهور آخر للاقتصاد الفلسطيني. كان نسبة النمو ف 2012، 6 في المئة (قياسا بـ 11 في المئة في 2011، وساء الوضع الآن بعد اغلاق المصريين لأنفاق رفح)؛ والبطالة 22.3 في المئة (19 في المئة في الضفة و30 في المئة في غزة)؛ ويوجد 1.6 مليون عائلة في وضع عدم أمن غذائي قياسا بـ 1.3 مليون عائلة في 2011؛ وحصل 74 في المئة من العائلات في غزة و23 في المئة في الضفة على نوع ما من المساعدة. وقد ذُكر في تقرير البنك الدولي هذا العام القيود التي تفرضها اسرائيل باعتبارها العامل الرئيس في الوضع السيء للاقتصاد الفلسطيني – بقدر لا يقل عن 18 مرة.
وقدمت الرباعية في هذه السنة مع التقارير "المبادرة الاقتصادية الفلسطينية" لتطوير ثمانية قطاعات في الضفة الغربية وقطاع غزة بواسطة القطاع الخاص (الماء والطاقة، والسياحة والصناعة الخفيفة والزراعة والبناء ومواد البناء وتقنية الاتصالات والمعلومات). وهذه شبه خطة مارشال التي بدأ كيري يطورها في الوقت الذي أغرى فيه عباس بالعودة الى طاولة التفاوض. وهي تقوم على خطة تطوير صيغت في "صندوق الاستثمارات الفلسطيني" العام. وقُدمت الخطة التي تطمح الى رفع الاقتصاد الفلسطيني الى أعلى بين 2014 – 2016 الى حكومة اسرائيل ايضا التي أعدت سلسلة "خطوات ممكِّنة" لتنفيذها، كما تقول الرباعية. وإن إدخال مواد بناء الى غزة في الاسابيع الاخيرة خطوة كهذه.
جاء في تقرير "معا" أن كيري التقى مديري ثمانين شركة استثمارات دولية لاقناعهم بالمشاركة. وقال اشخاص فلسطينيون لـ "معا" إنهم غير معنيين بالكشف عن قدر أكبر من التفاصيل كي لا يضل الناس بالأمل قبل الوقت. لكن من الواضح حتى بلا تفاصيل أنه يجب على اسرائيل للتمكين للخطة التي يتحدث كيري وبلير كثيرا عنها، يجب عليها أن تُزيل قيود التنقل والبناء والبنية التحتية التي تفرضها على الفلسطينيين وأن تُمكّن من تجديد العلاقة التجارية بين الضفة والقطاع.
يردد ممثلو الدول المانحة منذ عشرين سنة شعار أن التطوير الاقتصادي وتطوير القطاع الخاص هما العمود الفقري لمسيرة السلام. ونعلم جميعا أين توجد الكلمات وأين يوجد الواقع. فهل ينجح كيري وبلير مصحوبين بقافلة مستثمرين أجانب يسرعون ويعدون للمقامرة في الكازينو الذي يملكه الجيش الاسرائيلي ووزارة الدفاع، هل ينجحان هذه المرة في المفاجأة وفي أن يفرضا على اسرائيل ما هو مفهوم من تلقاء ذاته، أي اسقاط القيود؟ يفرحنا أن نكون مخطئين وأن نفاجأ.

 

هآرتس