فرحة الخسارة

بقلم: تسفي بارئيل

‘التحية لاعضاء اللجنة الاولمبية المحترمين. هذه دعوة مواطني اسطنبول الذين يعانون بسبب الابرتهايد المديني والبيئي، الذي فرضه على المدينة البناء الهائل ومشاريع المواصلات التي ستتسارع تحت غطاء بناء البنية التحتية للالعاب الاولمبية التي ستجرى في العام 2020…

هذه دعوة من ملايين العائلات، التي تتعرض لخطر اخلاء وهدم منازلها، في المدينة التي توجد تحت تهديد دائم للهزات الارضية وتخصع لرحمة حكومات تلعب في ‘ايام بومباي الاخيرة’.
نحن نؤمن بان دعوتنا لن ترد’. هذه صيغة الرسالة العلنية التي بعثت بها مجموعة تدعى ‘مقاطعة اسطنبول 2020′، التي تضم مهندسين، معماريين، خبراء في جودة البيئة والعديد من المواطنين الى اللجنة الاولمبية، قبل أن يتم الحسم الذي تقرر فيه أن تستضيف اليابان الالعاب الاولمبية في العام 2020.’

وما أن علم القرار باستبعاد تركيا حتى خرج مئات المواطنين في اسطنبول وفي أنقرة الى الشوارع، للاعراب عن فرحتهم بخسارة تركيا، وبالاساس بتحطم حلم رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان. 

وكتب البروفيسور جنكيز آكتر يقول، ‘لقد نجت المدينة ويمكن لسكانها الان ان يتنفسوا الصعداء. فالضفدع الذي انتفخ بالهواء كي يشبه الثور اختفى’. وفي نفس الفرصة طلب آكتر ان يعرف اذا كان رئيس الوزراء سيوجه الان العشرين مليار دولار، التي خصصت لبناء البنية التحتية للالعاب الاولمبية في صالح مشاريع حيوية اخرى. وقال مواطنون آخرون شاركوا في ان ‘هذه هي النقمة الحلوة’ على وقاحة رئيس الوزراء وعلى الاخلاء العنيف لحديقة غازي’، في حزيران/يونيو الماضي.
اردوغان وحكومته اللذان انتظرا من الدول الاوروبية ان تصوت في صالح تركيا بعد أن استبعد ترشيح اسبانيا، عرفا على الفور من سيتهمان: ‘ايها الخونة، يمكنكم أن تفخروا بافعالكم السيئة التي ارتكبتموها ضد بلادنا’، كتب رئيس مدينة أنقرة ماليا جوكجاك، في حسابه على التويتر. ‘نحن سننتصر في النهاية’، وعد اردوغان بعد أن اتخذ القرار، وليس واضحا اي انتصار قصد. ‘

اردوغان، الذي لم يكف عن مهاجمة اوروبا في الاسابيع الاخيرة، ما كان يمكنه أن يتوقع، وبالذات في لحظة الحسم الرياضية انه سيحظى بدعم اوروبا، التي انتقدت بشدة سياسته القمعية وأطلقت من جديد تحفظاتها ضد ضم تركيا الى الاتحاد الاوروبي. منذ العام 2005 انتهى فقط فصل واحد من اصل 35 فصلا يتعين على تركيا أن تطبق بنوده حسب محضر الانضمام الى الاتحاد. ومشكوك أن ينتهي، حتى موعد الحسم في استضافة الالعاب الاولمبية التالية، البحث في انضمامها. ‘

وتؤكد الخسارة في اللجنة الاولمبية ظاهرا أكثر فأكثر اللهجة الجديدة التي انتهجها المستشار الكبير لاردوغان، ابراهيم كالين، الذي وصف السياسة الخارجية لتركيا بانها ‘عزلة غالية القيم’ على وزن ‘العزلة اللامعة’ لبريطانيا في القرن التاسع عشر. المشكلة هي فقط أن العزلة التي علقت فيها تركيا بسبب سياستها الخارجية ليست غالية القيمة ولا لامعة. ومثلما منح خامنئي نعت ‘البطولة’ للمرونة التي يضطر الى ابدائها الان في ضوء الضغط الدولي، هكذا أردوغان ايضا مطالب بان يمنح نعت ‘محترم’ للعزلة التي علقت فيها بلاده. فالسياسة التي بدأت طريقها بشعار ‘صفر مشاكل مع الجيران’ عزلت تركيا بالذات عن الشرق الاوسط العربي، عن ايران، عن اسرائيل وعن اوروبا. 
‘تركيا يجب أن تهجر على الفور سيناريوهات الانضمام الى الاتحاد الاوروبي’، كتب المستشار الجديد لاردوغان، الصحافي ايات بولوت، ‘تركيا يمكنها أن تقود العالم الجديد الذي يتشكل في الشرق الاوسط، وسط آسيا وافريقيا’. ‘

بولوت، الذي يسمى ‘غورو اردوغان الجديد’، هو قصة بحد ذاتها، فهذا الصحافي الذي ترأس أسر التحرير في صحف مهمة في تركيا، كان من المنتقدين الحادين لاردوغان، غير أنه فجأة وقع في حب رئيس الوزراء، قام بالتفاتة حدوة حصان، وبدأ يهاجم معارضيه. ولعل كل هذا كان يمكن أن يلقى التفهم الى أن اتهم بولوت خصوم اردوغان بانهم ‘يريدون قتله بوسائل نفسية’.

وأثار هذا التعبير القلق اكثر مما اثار الضحك، بسبب العجب الذي يطرحه على الشكل الذي يختار به اردوغان مستشاريه. وتروي مصادر تركية ان انضمام بولوت الى عصبة المستشارين الطموحين يثير خلافات شديدة من الصعب أن نعرف بعدها كيف يتخذ رئيس الوزراء قراراته.
‘ولعل سياسته الخارجية تتم هي الاخرى بوسائل نفسية’، سخر أحد اعضاء حزبه. 

‘وأحصى المحلل السياسي سركا دميرتاش نحو نصف دزينة ‘مسؤولين’ او ‘مشاركين’ في تصميم السياسة الخارجية لتركيا. وعلى رأسهم يقف بالطبع وزير الخارجية احمد داود اوغلو، ولكن ايضا رئيس الاستخبارات’التركية، عمر تشاليك (وزير الثقافة) الذي كان مشاركا في المفاوضات بين اسرائيل وحماس، حسين تشاليك ‘رقم 2′ في حزب العدالة والتنمية، وبالطبع ايضا نائب رئيس الوزراء بولنت ارينتش، اضافة الى ابراهيم كالين، المستشار السياسي، وكما أسلفنا، بولوت. 
ومع أن اردوغان هو المقرر الاخير، ولكن عندما اصبحت السياسة الخارجية في السنتين الاخيرتين جزءا لا يتجزأ من السياسة الداخلية، وعندما تكون تهدد شعبية اردوغان الذي يتطلع الى أن ينتخب رئيسا بعد أقل من تسعة اشهر، فان الوسائل النفسية هي الاخرى تكون أداة مناسبة. ولكن بعد كل شيء ما هو الفرق بين استخدام التعابير النفسية واستخدام أشعة ‘رنتيغن’.