الجو الطيب لا يؤدي إلى اتفاق

 

بقلم: افرايم كام

يصعب ألا نتأثر بنجاح حسن روحاني. فقد نجح خلال اسابيع قليلة، منذ أن عُين رئيسا لايران في أن يُنشئ لنفسه صورة زعيم معتدل مُحب للسلام يختلف عن سلفه، وواحد يمكن إتمام صفقة معه في المجال الذري. وقد أفضت صورته المعتدلة بكثيرين في الولايات المتحدة واوروبا الى حث حكوماتهم على عدم إضاعة الفرصة التاريخية التي نشأت مع انتخابه، والى التوصل معه الى صفقة تسوي القضية الذرية الايرانية.

يريد روحاني التوصل الى تسوية في القضية الذرية، وإن أكبر توقع منه في ايران هو أن يُحسن الوضع الاقتصادي، ومن الواضح أن التحسين يمر بطريق اسقاط العقوبات عنها، وهذا يمر بطريق اتفاق في القضية الذرية. بيد أن ايران تهربت الى الآن من تنازلات كبيرة في التفاوض الذي استمر عقدا، ويقترب برنامجها النووي الى تحقيق السلاح الذري. وأدرك روحاني أنه يجب عليه ليشق الطريق المسدود أن يوحي بروح جديدة من دون تخل عن الشيء الأساسي.

إن العنصر الرئيس الذي يظهر الى الآن في توجه روحاني هو محاولة انشاء ثقة بين ايران والحكومات الغربية، لاقناعها بأن برنامجها الذري مخصص لحاجات سلمية فقط. وقد خطا عدة خطوات نحو الداخل لأجل ذلك، فقد بيّن أنه مدعوم من الزعيم الروحي خامنئي، الذي فوض إليه التوصل الى تسوية في القضية الذرية، وتحدث خامنئي نفسه عن الحاجة الى ‘مرونة شجاعة’. وعيّن روحاني وزير خارجية جديدا خبيرا، للاتصال بالدول الغربية، ونقل إليه صلاحيات اجراء التفاوض في الشأن الذري، ودعا الحرس الثوري وتوجهه نحو الولايات المتحدة أكثر تطرفا الى عدم التدخل في السياسة.

تتصل خطوات روحاني الاخيرة بشخوصه الى الجمعية العمومية للامم المتحدة في نيويورك. وقد خطا في هذا الشأن عدة خطوات لأول مرة منذ كانت الثورة الاسلامية في ايران في 1979 فقد راسل اوباما، وأرسل وزير خارجيته للقاء وزير الخارجية الامريكي، بحضور وزراء خارجية آخرين، ولقي رئيس فرنسا. وليس مضمون الرسائل والمحادثات معلوما، لكن يجوز لنا أن نفرض أنها في هذه المرحلة الأولية جدا لم تتجاوز الاقوال العامة.

وقد انعكس هذا التوجه ايضا في الخطبتين اللتين خطبهما روحاني في الجمعية العمومية للامم المتحدة. لم يكن في كلامه شيء جديد أو اقتراح محدد في الشأن الذري، بل زعم كما كانت الحال في الماضي أن لايران هدفين في هذا الشأن، وهما أن تقنع بأن برنامج ايران الذري مخصص لحاجات سلمية فقط، والحصول على اعتراف بحقها في تخصيب اليورانيوم على ارضها، وأضاف أنه يمكن بالتفاوض التوصل الى اتفاق في غضون ثلاثة اشهر الى ستة. ولم تتحقق تقارير سبقت عن أن روحاني سيعلن في خطبته بأن ايران ستوافق على اغلاق منشأة تخصيب اليورانيوم في فوردو مقابل اسقاط العقوبات عنها، وأعلنت ايران أنها لا تنوي ذلك. ومن الواضح أن طلب ايران الاعتراف بحقها في تخصيب اليورانيوم يرمي الى أن تُبقي لنفسها خيار الابقاء على قدرة على انتاج السلاح الذري.

يجوز لنا أن نفرض أن امتناع روحاني الى الآن عن عرض تنازلات في الشأن الذري ينبع من اهتمامه في الابقاء عليها للتفاوض نفسه اذا وُجد وأن يحرز قبل ذلك استعدادا من الولايات المتحدة لاسقاط العقوبات. وهكذا تؤكد ايران استعدادها لتعزيز التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وقد يدل ذلك على استعدادها لزيادة الرقابة على المنشآت الذرية. لكن توجد في الخلفية ايضا ضغوط داخلية في ايران لأجل عدم التعجل والتنازل، وهكذا فانه رغم دعوة روحاني الحرس الثوري الى عدم التدخل في السياسة، عجّلوا الرد بالدعوة الى الحذر من التنازل. ويبدو أن هذه الضغوط أفضت الى رفض روحاني لقاء اوباما للتصافح بعد أن وافق هذا الاخير على ذلك، والى أن يكتفي بمكالمة هاتفية تاريخية مهمة في حد ذاتها.
ستبدأ قريبا مرحلة جديدة من المحادثات الذرية، وستحاول ايران أن تستغل الجو الايجابي لاستخلاص انجازات اخرى، وفي مقدمتها اسقاط العقوبات. بيد أن الجو الطيب فقط غير كاف، ومن الواضح أن الولايات المتحدة ستطلب تنازلات حقيقية في القضية الذرية. ويجوز لنا من جهة اخرى أن نفرض أن توافق ايران على تنازلات ما بشرط الحفاظ على قدرتها على التوصل الى سلاح ذري في وقت قصير. إن السؤال الذي سيبقى بلا جواب هو هل يفضي هذان التوجهان المختلفان الى اتفاق؟