نتنياهو يريد تخريب الحفل

بقلم: يوسي فيرتر

في الليلة بين السبت والأحد، سيتمدد نتنياهو على سرير أعد له في طائرة إلعال، وقبل أن يبدأ نومه، سيفكر بالتأكيد في المصير الذي كتب له: أن يكون مخرب الحفلات. ويسافر نتنياهو إلى نيويورك، للجمعية العمومية للأمم المتحدة وللقاء الرئيس باراك أوباما في البيت الأبيض، شاعرا برسالية متقدة ليست غريبة عليه. فهو عازم على صب ماء بارد، مثلج، على الغرام الذي برعم بين الغرب بقيادة الولايات المتحدة، وإيران برئاسة الزعيم المخادع صاحب الكلمات الرقيقة، حسن روحاني. ومزودا بمواد استخبارية تشهد على أن إيران بزعامة روحاني أيضا تدعم، كعادتها، أعمالا إرهابية متشعبة في العالم، خصوصا لدى جارتينا، سوريا ولبنان. وهو سيشير في محادثاته السياسية ومقابلاته التي سيجريها إلى «الأكاذيب الفظة» في مقابلة روحاني مع شبكة NBC الأميركية. وسيمد خطا مباشرا بين مناورة كوريا الشمالية الخداعية قبل ثماني سنوات وبين شيء جديد تبدأه إيران حاليا
وسيقول نتنياهو لنفسه بنوع من التسليم عندما يغطي جسده ببطانية الصوف التي توزعها شركة إلعال على ركاب الدرجة الأولى، أن الأمر يبدو رساليا، وأن عليه أن يكون الطفل الملحاح الصارخ: الملك يريد سلاحا نوويا! أن يرى الوضع بالعين المجردة حينما يصر الآخرون على وضع نظارات وردية، وأن ينفخ في البوق حينما يعزف الآخرون على البيانو، وأن يسبح ضد التيار، ويرش الماء على المحتفلين. طوال سنوات وهم يتهمونني بالسوداوية المزمنة. إذاً، ما العمل في المسائل الثقيلة، الحقيقية، حينما خرجت محقا على الدوام، خصوصا في الموضوع الإيراني، الذي كنت أول من لاحظه
ويمكن التساجل حول مدى حكمة هذا التكتيك. هل الهجوم الذي يخطط له نتنياهو هو السبيل الأفضل في هذا الوقت، أم أفضل الإصغاء إلى أوباما والرئيس شمعون بيريز، وعلى الأقل منح فرصة لفظيا للسلام من دون التنازل عن شروط كبح النووي. والتعليمات بمقاطعة خطاب روحاني في الجمعية العمومية جاءت من البطن. لم تكن كارثة لتقع لو أن مندوبا متدني المستوى من السفارة بقي حاضرا وقت الخطاب
والمؤكد أنه في نهاية الأسبوع المقبل، حينما تعود إلى البلاد حاشية رئيس الحكومة، محملة بالمشتريات ومقتنعة بعدالة طريقها، ستكون إسرائيل معزولة في العالم أكثر من أي وقت مضى، في كل ما يتعلق بالمشروع النووي الإيراني
وربما يخطر شيء ببال رئيس الحكومة وهو معلق بين السماء والأرض، قبل أن تثقل جفونه وينام. سوف يذكر في سجل الساسة الصارخين، الذين رافقته تصريحاتهم وعرائضهم في طريقه إلى المطار. وبدلا من أن يتيحوا له هامش مناورة في الفضاء السياسي العاصف، يقيدونه بـ«خطاب علني» (أرسله له سبعة من وزرائه) يربطون فيه بين إجراء الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين وعمليتي القتل في قلقيلية والخليل، ويطلبون فتح النقاش من جديد في الحكومة حول الإفراج، ومع إعلان في الصحف (لأعضاء رابطة أرض إسرائيل في الكنيست، في الصفحة الأولى لـ«هآرتس» يوم الجمعة الفائت) طالبه، لا أقل ولا أكثر، بالتراجع على منبر الأمم المتحدة وفي لقائه مع أوباما، عن دعمه لحل الدولتين
وكأن الحياة السياسية لعبة في صندوق رمل في روضة أطفال. كأنه لا يوجد قانون ولا قاض. كأن الإفراج عن الأسرى ليس جزءا من صفقة أوسع، بمشاركة أميركية، وكل تراجع عنها سيجلب كارثة سياسية وديبلوماسية على إسرائيل. كأن القناص الذي قتل الجندي في الخليل تم الإفراج عنه للتو
ويتعامل نتنياهو مع هذه الضوضاء الخلفية باستخفاف تام. وهو يرى فيها خطوات شعبوية، رخيصة، دنيئة، غير معدة إلا لكسب سياسي عابر. ويقولون في محيطه عن الإعلان في «هآرتس»، الذي وقع عليه أربعة من نواب وزراء الليكود، هو من عينهم، انه «يقرأ، يصغي، ويتذكر من دون انفعال». وهذا أيضا حاله مع رسالة وزراء البيت اليهودي، إسرائيل بيتنا وإسرائيل كاتس من الليكود. ما هي الصلة بين عامل المطعم الذي قتل الجندي تومر حزان، أو الفلسطيني الذي قتل الجندي غال كوبي، والإفراج عن أسرى قدامى من سجون إسرائيل كجزء من مفاوضات سياسية؟ عموما، وحتى بمقاييسنا البائسة، فإن وزراء يتواصلون مع رئيس الحكومة في مواضيع سياسية عبر رسائل كهذه، ربما لا ينبغي أن يكونوا أعضاء في حكومة وإنما كتاب رسائل إلى هيئة التحرير في صحيفة
وإذا ذكرنا الشعبوية: فإن الوزير نفتالي بينت، أبّن الجندي غال كوبي في جنازته . ويتبين أن بينت لم يفهم بعد الفارق بين دوره الحالي، كمبعوث للحكومة والدولة، ومنصبه السابق كمدير عام لمجلس المستوطنات. وكان تأبينه لاذعا، واستغلالا سياسيا للوضع لحث موقفه ضد الإفراج عن المعتقلين. وقال: «علينا الكف عن منح أعدائنا الإحساس بأن الدم اليهودي غدا الحاجة الأرخص في الشرق الأوسط وسفكه من دون عقاب. وانه لا عفو عن سارقي السيارات، لكننا نعفو عن قتلة اليهود». وأشار إلى «أننا سنحارب من أجل اقتلاع فكرة أن بوسع القتلة أن يتحرروا هكذا». هل قلنا، مقاييس بائسة؟ فقط كان ينقصنا أنه في ختام أقوال التأبين سيخرج وزير الاقتصاد من حقيبته استمارات الانضمام لحزبه ويوزعها على المعزين. أو كما قال أحد نظراء بينت في الحكومة: «لا مثيل للسياسة القديمة». 
أعدونا سلفا 
ويقول نائب وزير الدفاع، داني دانون من الليكود، «فوجئنا بأوسلو، وفوجئنا بخطة الانفصال، وفوجئنا بتجميد البناء في المناطق. ونحن لا نريد أن نفيق يوما، ونجد أنفسنا متفاجئين ثانية». وهذا هو تفسير صرخة اليمين كما تجلت في الإعلان في «هآرتس» أو في الحملة المخططة لمجلس المستوطنات، التي ستشن قريبا، ضد التسوية في المناطق، دائمة أو مرحلية. وحتى الآن لا شيء، ولا حتى إشارة طفيفة إلى تقدم في مسار ليفني - عريقات. لكن رجال اليمين، متعلمين من المفاجآت، يفضلون الاحتياط سلفا
ووفق المزاج في الليكود، ليس ثمة ما يقلق دانون ورفاقه. فلا تفويض لنتنياهو من حزبه للتقدم مترا نحو التسوية مع الفلسطينيين. ولو جاء يعرض تسوية كهذه اليوم، لكان منطقيا الافتراض أن يوفال شتاينس فقط سيسايره، وربما موشي يعلون أيضا المدين له بتعيينه وزيرا للدفاع. وحتى أن أوفير أكونيس، نائب الوزير في ديوان رئاسة الحكومة، والذي وجوده السياسي مشروط بوجود نتنياهو، يعتبر بين الموقعين على الإعلان ضد «تسليم أجزاء الوطن» للفلسطينيين. وأكونيس، الذي كاد يسقط في الكنيست، ملزم بالنزوع يمينا كي ينال مستقبلا أصوات المستوطنين، وإلا فإن مصيره سيكون سيئا. وعدا ذلك، هو غاضب على نتنياهو لعدم تعيينه مسؤولا عن سلطة الإذاعة. فالأيديولوجيا، مهما سمت، تمتزج دائما ببهارات المصالح الشخصية
ودانون ينظر بقلق إلى نشاط تسيبي ليفني، الوزيرة المسؤولة عن المفاوضات لدى رئيس الحكومة، وهو يلحظ لديها تفاؤلا مقلقا. ويقول: «هناك من يقولون: دعك، لا شيء سيحدث. لكني أقول: إذا منحناها حرية عمل كاملة، فقد نصل إلى وضع اتفاق أوسلو. وفي كلامي الذي أردده، ومقالتي في «نيويورك تايمز»، أردت إثارة الجمهور، وزيادة الوعي وخلق سجال عام». 
وفي اللقاء الذي أجراه مع النشطاء عشية العيد قدر دانون أن التسوية المرحلية في ختام تسعة شهور من المفاوضات، أمر ممكن. وهي تسوية يعرض فيها نتنياهو على الفلسطينيين حوالي 60% من الضفة، بما فيها ظهر الجبل وإخلاء المستوطنات المعزولة أو إبقاؤها من دون حماية الجيش. أما المواضيع الثقيلة، القدس واللاجئون، فلن تحسم في عهده، بحيث من بعده الطوفان. صحيح أن محمود عباس لا يقبل ذلك، وأن الليكود لا يدعم، لكن كما قال دانون للنشطاء، إلا إذا أفلح نتنياهو في أن يجر إلى معسكره يعلون، جدعون ساعر، وسيلفان شالوم
وقدر دانون في ذلك اللقاء أنه «إذا أيده يعلون، جدعون وسيلفان، فستغدو المعركة حقيقية. يمكنه إشراكهم، ومعهم يقود العملية». وهذا المحور المحتمل يدفع دانون لأن يصير المواطن القلق، وهو صدفة نائب وزير الدفاع، الذي يعرض موقفا مخالفا لموقف الوزير المسؤول عنه ولموقف رئيس الحكومة. دانون عاد مؤخرا من زيارة طويلة في لوس أنجلس، وهو يعرف شيئا ما عن الحياة في عالم الكلام

 

حرره: 
ا.ش