هل القصف هو طريقنا المفضل؟

بقلم: جدعون ليفي

هكذا رد رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو على خطبة رئيس ايران حسن روحاني في الجمعية العمومية للامم المتحدة بقوله، إن الخطبة كانت مليئة بالنفاق، وإن طهران تحاول كسب وقت. إن كلمة نتنياهو وهو سياسي يعرف شيئا أو اثنين عن خطط نفاق ترمي الى كسب وقت كخطبة بار ايلان مثلا حجة تاريخية على خطب كهذه. أفربما يكون روحاني قد تعلم ذلك من نتنياهو؟

وماذا سيفعل نتنياهو في هذا الاسبوع في عرضه في الامم المتحدة؟ هل يستعمل خريطة اوشفيتس التي لوح بها قبل ذلك في الجمعية العمومية في 2009؟ هل يستعمل الخط الاحمر للمشروع الذري الذي خطه في السنة الماضية؟ أربما يحضر معه في هذه السنة الى المنصة ناجية من المحرقة؟ أو ربما يستل أرنبا آخر من قبعته؟ ومن المؤكد أنه سيتحدث عن روح ميونيخ، ولم يعد يوجد مشترون لهذه السلعة الفاسدة.

كيف يعلم نتنياهو أن روحاني يكذب؟ ربما يكذب وربما لا يكذب، فنتنياهو لا يعلم ولا يستطيع أن يعلم. كان يجب على اسرائيل بدل أن تُخرج مندوبي اسرائيل من القاعة أن تستمع الى روحاني وأن تعطيه فرصة. فليرَ الرئيس الايراني وليرَ أبناء شعبه أن هذه الروح الجديدة تُفيدهم. وبدل الاستمرار في تقليد تهديدات القصف التي أصبحت سخيفة مقطوعة عن الواقع، كان يجب على اسرائيل أن تنضم ولو مرة واحدة الى مجتمع الشعوب الذي أصبح متعبا من الحروب والقصف، والذي يحاول أن يدفع قدما الآن بحل سياسي. وليس من الفظيع على العموم أن تكون اسرائيل جزءا من أسرة الشعوب مرة واحدة، لكن الانطباع لدينا أن اسرائيل نتنياهو ترى أن كل ما هو أقل من الطيران الى سماء ايران لا يعتبر حلا. إن شهوة القصف هذه تثير أفكارا قاسية عن طريقة اسرائيل: فهذه هي اللغة الوحيدة التي تؤمن بها، كما يبدو، في مواجهة طهران وغزة والقافلة البحرية التركية أو قرية رُعاة فلسطينية. ولا يغير شيئا ايضا النجاح الذي تم احرازه الى الآن مع دمشق، التي سُجلت هنا شهوة قصف ما لها: إن القصف هو طريقنا.

تضطر اسرائيل الى أن تعترف الآن بأن العقوبات الاقتصادية قد ساعدت. ويعترف الاسرائيليون ايضا أنه لولاها لما هبت الريح الجديدة من طهران، سواء أكانت حقيقية أم مُضللة. كان يجب على اسرائيل أن تنضم الى مجموعة مُعطي الفرصة. أربما تكون العقوبات قد ساعدت حقا وأن ايران تزن طريقتها؟ كيف سنعلم اذا لم نُعطها فرصة؟ وأي شيء أكثر تشجيعا من ذلك؟ وأي شيء يخدم المصلحة الاسرائيلية أكثر من ذلك؟ لكن لا، إن التجهم الاسرائيلي آلي. فروحاني يكذب فينبغي القصف.

أراد القدَر (والحظ) أن تكشف واشنطن باراك اوباما وجون كيري الآن عن علامات تنفس مستقل، لا يذعرها فورا كل نزوة لاسرائيل. وأراد القدَر أن تُظهر موسكو ايضا علامات تعاون ايجابي لمنع حروب لا حاجة إليها. ويجب أن تكون هذه أنباء طيبة لاسرائيل ايضا.

قد يكون تفسير سلوك اسرائيل الغريب موجودا في مكان آخر أصلا. فها هو ذا العالم قد رأى أن ضغطا اقتصاديا ودبلوماسيا على دولة تنكث قرارات المجتمع الدولي قد يؤتي أُكله. وربما يحكم منذ الآن الحكم نفسه على دولة اخرى تنكث هي ايضا قرارات الامم المتحدة منذ عشرات السنين بصورة سافرة. لن يقصف العالم اسرائيل، لكن أتكون عقوبات اقتصادية؟

لماذا لا، اذا كانت تحل مشكلات؟ وقد ذكر اوباما في الآن نفسه الذرة الايرانية والمشكلة الفلسطينية، على انهما مشكلتان شقيقتان. فاذا كانت العقوبات ذات جدوى في حالة فلماذا لا تكون كذلك في الثانية؟

إن الدعاوى التي يثيرها المجتمع الدولي وفيه اسرائيل على ايران صادقة في أساسها، ولا تقل صدقا عنها الدعاوى على اسرائيل. فهل تستطيع اسرائيل أن تزعم في جدية أنها تصغي لرأي العالم؟ وأنها تُنفذ قراراته؟ من المؤكد أن لا. ويتعلم العالم الآن أن العقوبات مجدية. وقد تصبح الخطوة التالية استعمال الوسيلة نفسها لمواجهة الرافضة الكبيرة الاخرى ايضا. وأصبح هذا يُخيف اسرائيل. فالخطب التي يُظن أنها خطب نفاق ترمي الى كسب الوقت فقط تُسمع كثيرا، لا من طهران وحدها.

 

 

حرره: 
ا.ش